هذا التبكيت لهم ، الضجر منهم ، فيقول : (أُفٍّ لَكُمْ ولِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه أَفَلا تَعْقِلُونَ).
و «أف» اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. وأصله صوت المتضجر من استقذار الشيء. واللام في قوله (لَكُمْ) لبيان المتضجر لأجله.
أي : سحقا وقبحا لكم ، ولما تعبدونه من أصنام متجاوزين بها عبادة اللَّه ـ تعالى ـ عن جهل وسخف وطغيان.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما أنتم فيه من ضلال واضح ، فترجعون عنه إلى عبادة الواحد القهار.
وعند ما وصل إبراهيم في توبيخهم وتبكيتهم إلى هذا الحد أخذتهم العزة بالإثم ، شأنهم في ذلك شأن كل طاغية جهول ، يلجأ إلى القوة الغاشمة بعد أن تبطل حجته ، فقالوا فيما بينهم : (حَرِّقُوه وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
أي : قال بعضهم لبعض بعد أن عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة ، وبعد أن رأوا إبراهيم قد أفحمهم بمنطقه الحكيم : (حَرِّقُوه) أي : بالنار ، فإنها أشد العقوبات.
قيل : إن الذي اقترح عليهم ذلك هو رئيسهم : نمرود بن كنعان. وقيل : هو رجل من الفرس اسمه : هينون.
وقوله : (وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ ..) بيان لسبب تحريقه بالنار.
أي : حرقوه بالنار من أجل الانتصار لآلهتكم التي حطمها في غيبتكم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
أي : إن كنتم بحق تريدون أن تنصروا آلهتكم نصرا يرضيها ، فأحرقوه بالنار.
قال صاحب الكشاف : أجمعوا رأيهم ـ لما غلبوا ـ بإهلاكه ، وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح. لم يكن أحد أبغض إليه من المحق ولم يبق له مفزع إلا مناصبته العداء ، كما فعلت قريش برسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حين عجزوا عن المعارضة.
والذي أشار بإحراقه : نمروذ. وعن ابن عمر : رجل من أعراب العجم. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ، ولذلك جاء : «لا يعذب بالنار إلا خالقها» (١).
وقوله تعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ..) مسبوق بكلام محذوف يفهم من سياق القصة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٢٦.