للرسل لمدة طويلة ، وبأن جعلناها كذلك عامرة بالخيرات وبالأموال وبالثمرات للأجيال المتعاقبة.
والآية الكريمة تشير إلى هجرة إبراهيم ومعه لوط ـ عليهماالسلام ـ من أرض العراق التي كانا يقيمان فيها ، إلى أرض الشام ، فرارا بدينهما. بعد أن أراد قوم إبراهيم أن يحرقوه بالنار ، فأبطل الله ـ تعالى ـ كيدهم ومكرهم ، ونجاه من شرهم.
وقد أشار ـ سبحانه ـ إلى ذلك في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ..) بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم الله ـ سبحانه ـ بها على إبراهيم.
والنافلة : الزيادة على الأصل. ولذا سميت صلاة السنن نافلة ، لأنها زيادة على الصلوات المفروضة. وإسحاق هو ابن إبراهيم. ويعقوب هو ابن إسحاق.
فلفظ «نافلة» حال من يعقوب أى : ووهبنا لإبراهيم يعقوب حال كونه زيادة على إسحاق. (وَكُلًّا) من المذكورين وهم إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب.
(جَعَلْنا صالِحِينَ) أى : جعلناهم أفرادا صالحين ، بأن وفقناهم لما نحبه ونرضاه ، وشرفناهم بالنبوة والرسالة.
(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أى : وجعلنا هؤلاء المذكورين ، أئمة في الخير ، يهدون ويرشدون غيرهم إلى الدين الحق بسبب أمرنا لهم بذلك ، وتكليفهم بتبليغ وحينا إلى الناس.
قال صاحب الكشاف : قوله ـ سبحانه ـ : (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله ، فالهداية محتومة عليه ، مأمور بها من جهة الله ليس له أن يخل بها ، ويتثاقل عنها ، وأول ذلك أن يهتدى بنفسه ، لأن الانتفاع بهداه أعم ، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدى أميل» (٢).
وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) أى : وأوحينا إليهم أن يفعلوا الطاعات ، وأن يأمروا الناس بفعلها ، وأوحينا إليهم كذلك (إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) أى : أن يقيموا الصلاة وأن يؤدوا الزكاة وأن يأمروا غيرهم بذلك.
وعطف إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على فعل الخيرات من باب عطف الخاص على العام.
__________________
(١) سورة العنكبوت الآية ٢٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٢٧.