والمعنى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب ـ عبدنا أيوب ـ عليهالسلام ـ وقت أن نادى ربه ، وتضرع إليه بقوله : يا رب أنى أصابنى ما أصابنى من الضر والتعب ، وأنت أجل وأعظم رحمة من كل من يتصف بها.
فأنت ترى أن أيوب ـ عليهالسلام ـ لم يزد في تضرعه عن وصف حاله (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ووصف خالقه ـ تعالى ـ بأعظم صفات الرحمة دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا ، وهذا من الأدب السامي الذي سلكه الأنبياء مع خالقهم ـ عزوجل ـ.
قال صاحب الكشاف : «ألطف ـ أيوب ـ في السؤال ، حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ، وذكر ربه بغاية الرحمة ، ولم يصرح بالمطلوب. ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت : يا أمير المؤمنين ، مشت جرذان ـ أى فئران ـ بيتي على العصى!! فقال لها : ألطفت في السؤال ، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود ، وملأ بيتها حبا ..» (١).
وبعد أن دعا أيوب ربه ـ تعالى ـ بهذه الثقة ، وبهذا الأدب والإخلاص ، كانت الإجابة المتمثلة في قوله ـ تعالى ـ : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) أى دعاءه وتضرعه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) أى : فأزلنا ما نزل به من بلاء في جسده ، وجعلناه سليما معافى. بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل ، فنبعت له عين فاغتسل منها ، فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله ـ تعالى ـ.
قال ـ سبحانه ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ..) (٢).
وقال ـ تعالى ـ : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) أى : لم نخيب رجاء أيوب حين دعانا ، بل استجبنا له دعاءه ، بفضلنا وكرمنا ، فأزلنا عنه المرض الذي نزل به ، ولم نكتف بهذا ـ أيضا ـ بل عوضناه عمن فقده من أولاده ، ورزقناه مثلهم معهم.
قال الآلوسى ما ملخصه : «قوله : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال : سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن قوله : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فقال : «رد الله ـ تعالى ـ امرأته إليه ، وزاد في شبابها ، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا».
فالمعنى على هذا : آتيناه في الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٠.
(٢) سورة ص الآيتان ٤١ ، ٤٢.