فركب فيها ، وفي خلال سيرها في البحر ضاقت بركابها ، فقال ربانها : إنه لا بد من أحد الركاب يلقى بنفسه في البحر لينجو الجميع من الغرق. فجاءت القرعة على يونس ، فألقى بنفسه في اليم فالتقمه الحوت .. ثم نبذه إلى الساحل بعد وقت يعلمه الله ـ تعالى ـ ، فأرسله ـ سبحانه ـ إلى قومه مرة أخرى فآمنوا.
وسيأتى تفصيل هذه القصة في سورة الصافات ـ بإذن الله ـ.
والمعنى : واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ ـ عبدنا ذا النون. وقت أن فارق قومه وهو غضبان عليهم ، لأنهم لم يسارعوا إلى الاستجابة له.
قال الجمل : وقوله : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أى : غضبان على قومه ، فالمفاعلة ليست على بابها فلا مشاركة كعاقبت وسافرت ، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة ، أى غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) بيان لما ظنه يونس ـ عليهالسلام ـ حين فارق قومه غاضبا عليهم بدون إذن من ربه ـ عزوجل ـ.
أى : أن يونس قد خرج غضبان على قومه لعدم استجابتهم لدعوته فظن أن لن نضيق عليه ، عقابا له على مفارقته لهم من غير أمرنا ، أو فظن أننا لن نقضي عليه بعقوبة معينة في مقابل تركه لقومه بدون إذننا.
فقوله : (نَقْدِرَ عَلَيْهِ) بمعنى نضيق عليه ونعاقبه. يقال : قدر الله الرزق يقدره ـ بكسر الدال وضمها ـ إذا ضيقه. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٢).
وقوله : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ..) (٣) أى : ضيقه عليه.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان يردده يونس وهو في بطن الحوت فقال : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
والفاء في قوله (فَنادى) فصيحة.
والمراد بالظلمات : ظلمات البحر ، وبطن الحوت ، والليل.
أى : خرج يونس غضبان على قومه. فحدث له ما حدث من التقام الحوت له ، فلما صار
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٤٣.
(٢) سورة الرعد الآية ٢٦.
(٣) سورة الفجر الآية ١٦.