قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت : لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة ، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم ، والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب ، ولأنهم قدروا أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ، وينتفعون بشفاعتهم ، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا ، لم يكن شيء أبغض إليهم منهم (١).
وجملة (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) بدل من (حَصَبُ جَهَنَّمَ) ، أو مستأنفة.
أى : أنتم ـ أيها الكافرون ـ ومعكم أصنامكم داخلون في جهنم دخولا لا مفر لكم منه.
وجاء الخطاب بقوله (أَنْتُمْ) على سبيل التغليب ، وإلا فالجميع داخلون فيها.
ولا يدخل في هذه الآية ما عبده هؤلاء المشركون من الأنبياء والصالحين كعيسى والعزيز والملائكة ، فإن عبادتهم لهم كانت عن جهل وضلال منهم ، فإن هؤلاء الأخيار ما أمروهم بذلك ، وإنما أمروهم بعبادة الله ـ تعالى ـ وحده.
ثم أقام ـ سبحانه ـ لهؤلاء الكافرين الأدلة على بطلان عبادتهم لغيره فقال : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها).
أى : لو كان هؤلاء الأصنام المعبودون من دون الله آلهة حقا ـ كما زعمتم أيها الكافرون ـ ما ألقى بهم في النار ، وما قذفوا فيها كما يقذف الحطب ، وحيث تبين لكم دخولهم إياه ، فقد ثبت بطلان عبادتكم لها ، وأن هذه الآلهة المزعومة لا تملك الدفاع عن نفسها فضلا عن غيرها.
وقوله (وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) تذبيل مقرر لما قبله. أى : وكل من العابدين والمعبودين باقون في هذه النار على سبيل الخلود الأبدى.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات ببيان حال الكافرين في جهنم فقال : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ).
أى : لهم فيها تنفس شديد يخرج من أقصى أفواههم بصعوبة وعسر ، كما هو شأن المغموم المحزون. وأصل الزفير : تردد النفس حتى تنتفخ منه الضلوع.
(وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) أى : وهم في جهنم لا يسمعون ما يريحهم ، وإنما يسمعون ما فيه توبيخهم وعذابهم ، أو : وهم فيها لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة ما هم فيه من هول وخوف.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٦.