وقوله ـ تعالى ـ : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) بيان للعلة التي من أجلها شرعت تلك الذبائح.
أى : شرعناها لكم وللأمم السابقة عليكم للإكثار من ذكر الله عند ذبحها فهو ـ سبحانه ـ الذي رزقكم إياها بفضله وإحسانه ، فعليكم أن تكثروا من ذكره وشكره ، ليزيدكم من خيره ورزقه.
وفي هذه الجملة الكريمة تقريع وتوبيخ لمن يذكرون غير اسم الله ـ تعالى ـ عند الذبح ، وتأكيد لوجوب ذكر اسمه ـ تعالى ـ ، حتى لكأن المقصود الأعظم من وراء ذبح هذه الأنعام ، هو المداومة على ذكر اسم الله ـ عزوجل ـ وعلى شكره ـ سبحانه ـ على نعمه ، أما ما سوى ذلك كالأكل منها ، والانتفاع بها .. فهي مقاصد فرعية.
ثم عقب ـ سبحانه ـ على ذلك بتقرير وحدانيته ، وبوجوب إسلام الوجه إليه ، فقال : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا).
أى : شرعنا لكم ذلك لأن إلهكم إله واحد لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته ، فله وحده أسلموا وجوهكم ، وأخلصوها لعبادته وطاعته.
فجملة (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بمثابة العلة لما قبلها من تخصيص اسمه الكريم بالذكر عند الذبح ، لأن تفرده ـ سبحانه ـ بالألوهية يستلزم هذا التخصيص.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَلَهُ أَسْلِمُوا) مرتب على ما قبله ، لأنه متى ثبت أن المستحق للعبادة والطاعة هو الله الواحد الأحد ، فعليهم أن يسلموا وجوههم إليه.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يبشر المخبتين برضاه ـ سبحانه ـ وبمثوبته فقال : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) أى : المتواضعين لله ـ تعالى ـ المطمئنين إلى عدالة قضائه فيهم ، ولفظ (الْمُخْبِتِينَ) من الإخبات. وهو في الأصل نزول الخبت ـ بفتح الخاء وسكون الباء.
أى : المكان المنخفض ، ثم استعمل في اللين والتواضع. يقال : فلان مخبت ، أى : متواضع خاشع لله رب العالمين.
وحذف ـ سبحانه ـ المبشر به لتهويله وتعظيمه ، أى : وبشر ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المتواضعين لله ـ تعالى ـ بالثواب العظيم ، والأجر الكبير الذي لا تحيط بوصفه عبارة.
ثم مدحهم ـ سبحانه ـ بأربع صفات فقال : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ..).
أى : بشر هؤلاء المخبتين الذين من صفاتهم أنهم إذا سمعوا ذكر الله ـ تعالى ـ وصفاته ،