قريش قد أسلموا.
ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
ثم قال ـ رحمهالله ـ : قال ابن أبى حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة سورة النجم ، فلما بلغ هذا الموضع : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى).
قال : فألقى الشيطان على لسانه : «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى».
قالوا : ـ أى المشركون ـ : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ..) (١).
وجمع ـ سبحانه ـ بين الرسول والنبي ، لأن المقصود بالرسول من بعث بكتاب ، وبالنبي من بعث بغير كتاب ، أو المقصود بالرسول من بعث بشرع جديد ، وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله.
ولفظة (تَمَنَّى) هنا : فسره العلماء بتفسيرين :
أولهما : أنه من التّمنّى ، بمعنى محبة الشيء ، وشدة الرغبة في الحصول عليه ، ومفعول «ألقى» محذوف والمراد بإلقاء الشيطان في أمنيته : محاولته صرف الناس عن دعوة الحق ، عن طريق إلقاء الأباطيل في نفوسهم ، وتثبيتهم على ما هم فيه من ضلال.
والمعنى : وما أرسلنا من قبلك ـ يا محمد ـ من رسول ولا نبي ، إلا إذا تمنى هداية قومه إلى الدين الحق الذي جاءهم به من عند ربه ، ألقى الشيطان الوساوس والشبهات في طريق أمنيته لكي لا تتحقق هذه الأمنية ، بأن يوهم الشيطان الناس بأن هذا الرسول أو النبي ساحر أو مجنون ، أو غير ذلك من الصفات القبيحة التي برأ الله ـ تعالى ـ منها رسله وأنبياءه.
قال ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* أتَواصَوْا بِهِ ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٢).
والآية الكريمة على هذا التفسير واضحة المعنى ، ويؤيدها الواقع ، إذ أن كل رسول أو نبي بعثه الله ـ تعالى ـ كان حريصا على هداية قومه ، وكان يتمنى أن يؤمنوا جميعا ، بل إن الرسول صلىاللهعليهوسلم كاد يهلك نفسه هما وغما بسبب إصرار قومه على الكفر.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٢٨ طبعة دار الشعب.
(٢) سورة الذاريات الآيتان ٥٢ ، ٥٣.