المشركون إلا القتال ، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ، وحصل في أنفس المسلمين شيء من القتال في الشهر الحرام ، فأنزل الله الآية.
فمعنى (مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أى : من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة فهي مثل : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١).
وقوله (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) أى : أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه.
وقوله (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) وعد مؤكد منه ـ سبحانه ـ بنصرة المظلوم ، والجملة جواب قسم محذوف. أى والله لينصرن ـ سبحانه ـ المظلوم على الظالم في الحال أو المآل.
قوله : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) تعليل للنصرة ، وبيان بأن المظلوم عند ما ترك العفو عن الظالم ، لا يؤاخذه ـ سبحانه ـ على ذلك ، مادام لم يتجاوز في رد العدوان الحدود المشروعة ، وهي الانتصار على القصاص بالمثل.
أى : إن الله ـ تعالى ـ لكثير العفو عن عباده ، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن نصره للمظلوم مرجعه إلى شمول قدرته على كل شيء ، فقال ـ تعالى ـ : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ).
ومعنى : يولج : يدخل. يقال : ولج فلان منزله ، إذا دخله.
أى : ذلك الذين فعلناه من نصرة المبغى عليه على الباغي ، كائن بسبب أن قدرتنا لا يعجزها شيء ، ومن مظاهر ذلك أننا ندخل جزءا من الليل في النهار فيقصر الليل ويزيد النهار ، وندخل جزءا من النهار في الليل فيحصل العكس. وأنتم ترون ذلك بأعينكم ، وتشاهدون كيف يسيران بهذا النظام البديع.
(وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أى : وأن الله ـ تعالى ـ سميع لكل المسموعات ، بصير بكل المبصرات ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ ..) بيان لحقيته ـ عزوجل ـ للعبادة والطاعة والخضوع التام.
واسم الإشارة يعود إلى ما وصف به نفسه قبل ذلك من صفات القدرة الباهرة والعلم التام.
أى : ذلك الذي تراه ـ أيها العاقل ـ في هذا الكون من مخلوقات ، ومن نصر للمظلوم ، ومن إدخال الليل في النهار وإدخال النهار في الليل ، سببه أن الله ـ تعالى ـ هو الإله الحق
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٩٠.