(يا أُخْتَ هارُونَ) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» ..
وعن قتادة قال : «هو رجل صالح في بنى إسرائيل. والأخت على هذا بمعنى المشابهة ، وشبهوها به تهكّما ، أو لما رأوا قبل من صلاحها ...» (١).
وعلى أية حال فإن مرادهم بقولهم هذا ، هو اتهام مريم بما هي بريئة منه ، والتعجب من حالها ، حيث انحدرت من أصول صالحة طاهرة ، ومع ذلك لم تنهج نهجهم.
وهنا نجد مريم تبدأ في الدفاع عن نفسها ، عن طريق وليدها (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ).
أى : فأشارت إلى ابنها عيسى ، ولسان حالها يقول لهم : وجهوا كلامكم إليه فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر.
ولكنهم لم يقتنعوا بإشارتها بل قالوا لها : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).
والمهد : اسم للمضطجع الذي يهيأ للصبي في رضاعه. وهو في الأصل مصدر مهده يمهده إذا بسطه وسواه.
أى : كيف نكلم طفلا صغيرا ما زال في مهده وفي حال رضاعه.
والفعل الماضي وهو (كانَ) هاهنا بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال ، كما يدل عليه سياق القصة.
ولكن عيسى ـ عليهالسلام ـ أنطقه الله ـ تعالى ـ بما يدل على صدق مريم وطهارتها فقال : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ..) أى : قال عيسى في رده على المنكرين على أمه إتيانها به : إنى عبد الله ، خلقني بقدرته ، فأنا عبده وأنتم ـ أيضا ـ عبيده ، وهذا الخالق العظيم (آتانِيَ الْكِتابَ) أى : سبق في قضائه إيتائى الكتاب أى : الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما.
وعبر في هذه الجملة وفيما بعدها بالفعل الماضي عما سيقع في المستقبل ، تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع الفعلى.
وهذا التعبير له نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، منها قوله ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٨٨.