وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ)(٤٠)
واسم الإشارة (ذلِكَ) في قوله : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) إشارة إلى ما ذكره الله ـ تعالى ـ قبل ذلك لعيسى من صفات حميدة ، ومن أخبار صادقة وهو مبتدأ ، وعيسى خبره ، وابن مريم صفته.
ولفظ : (قَوْلَ) فيه قراءتان سبعيتان إحداهما قراءة الجمهور بضم اللام ، والثانية قراءة ابن عامر وعاصم ، بفتحها.
وعلى القراءة بالرفع يكون (قَوْلَ الْحَقِ) خبر مبتدأ محذوف. فيكون المعنى : ذلك الذي أخبرناك عنه بشأن عيسى وأمه هو قول الحق ـ عزوجل ـ وهو قول لا يحوم حوله باطل ، ولا يخالطه ريب أو شك. فلفظ (الْحَقِ) يصح أن يراد به الله ـ سبحانه ـ لأنه من أسمائه ، ويصح أن يراد به ما هو ضد الباطل ، وهو الصدق والثبوت.
وعلى قراءة النصب يكون لفظ (قَوْلَ) مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة ، أى : ذلك الذي قصصناه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ من شأن عيسى ابن مريم ، هو القول الثابت الصادق. الذي أقول فيه قول الحق.
والإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته أى : القول الحق ، كقوله ـ تعالى ـ (وَعْدَ الصِّدْقِ) أى : الوعد الصدق.
وقوله : (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) بيان لموقف الكافرين من هذا القول الحق الذي ذكره الله ـ تعالى ـ عن عيسى وأمه. و (الَّذِي) صفة للقول. أو للحق ، و (يَمْتَرُونَ) يشكون من المرية بمعنى الشك والجدل ...
أى : ذلك الذي ذكرناه لك من خبر عيسى هو القول الحق ، الذي شك في صدقه الكافرون ، وتنازع فيه الضالون ، فلا تلتفت إلى شكهم وكفرهم بل ذرهم في طغيانهم يعمهون.
ثم نزه ـ سبحانه ـ ذاته عن أن يكون له ولد فقال : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ ...) أى : ما يصح وما يستقيم وما يتصور في حقه ـ تعالى ـ أن يتخذ ولدا ، لأنه منزه عن ذلك ، لأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد ، ويتخذه الضعفاء للنصرة ، والله ـ تعالى ـ هو الباقي بقاء أبديا ، وهو القوى القادر الذي لا يعجزه شيء.