ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم ؛ حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ، ثم ينجى الله الذين اتقوا ، ويذر الظالمين فيها جثيا» (١).
ولا يمنع من كون الورود بمعنى الدخول قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ..) لأن دخول المؤمنين فيها لا يجعلهم يشعرون بحرها أو حسيسها ، وإنما هي تكون بردا وسلاما عليهم ، كما جاء في الحديث الشريف.
قال الإمام القرطبي بعد أن توسع في ذكر هذه الأقوال : «وظاهر الورود الدخول .. إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين ، وينجون منها سالمين. قال خالد بن معدان : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا : إنا نرد النار فيقال لهم : لقد وردتموها فألفيتموها رمادا.
قلت : وهذا القول يجمع شتات الأقوال ، فإن من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها ، فقد أبعد عنها ونجى منها ، نجانا الله ـ تعالى ـ منها بفضله وكرمه ، وجعلنا ممن وردها فدخلها سالما ، وخرج منها غانما.
فإن قيل : فهل يدخل الأنبياء النار؟ قلنا : لا نطلق هذا ، ولكن نقول : إن الخلق جميعا يردونها ـ كما دل عليه حديث جابر ـ فالعصاة يدخلونها بجرائمهم ، والأولياء والسعداء لشفاعتهم ، فبين الدخولين بون ..» (٢).
والمعنى : وما منكم ـ أيها الناس ـ أحد إلا وهو داخل النار ، سواء أكان مسلما أم كافرا ، إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين. وهذا الدخول فيها كان على ربك أمرا واجبا ومحتوما ، بمقتضى حكمته الإلهية ، لا بإيجاب أحد عليه.
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) أى : ثم بعد دخول الناس جميعا النار ، ننجي الذين اتقوا ، فنخرجهم منها دون أن يذوقوا حرها (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) أى : ونترك الظالمين في النار مخلدين فيها. جاثين على ركبهم ، عاجزين عن الحركة ، من شدة ما يصيبهم من هولها وسعيرها.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا أقوال الجاحدين في شأن البعث والحساب ، وردت عليهم ردا يبطل أقوالهم ، كما أثبتت أن البعث حق ، وأن الحساب حق ، وأن الظالمين سيدخلون النار ، وأن المؤمنين سينجيهم الله ـ تعالى ـ بفضله منها.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١٣٢. الآلوسى ج ١٦ ص ١٢١.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٣٩.