وحينئذ يعلمون ويوقنون (مَنْ هُوَ) من الفريقين (شَرٌّ مَكاناً) أى : أسوأ منزلا ومسكنا (وَأَضْعَفُ جُنْداً) وأضعف أعوانا وأنصارا.
وهذه الجملة الكريمة رد على قول المشركين قبل ذلك : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ..) كلام مستأنف مسوق لبيان سنة الله ـ تعالى ـ التي لا تتخلف في المهتدين ، بعد بيان سنته في الضالين.
أى : ويزيد الله ـ تعالى ـ المهتدين إلى طريق الحق هداية على هدايتهم ، بأن يثبتهم عليه ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ). وكما قال ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ..).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) أى : والأعمال الباقيات الصالحات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أعمال البر ، خير عند ربك ثوابا وجزاء مما تمتع به الكفار في دنياهم من شهوات (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) أى : مرجعا وعاقبة.
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : خير عند ربك ثوابا ، كأن لمفاخراتهم ثوابا ، حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه؟.
قلت : كأنه قيل : ثوابهم النار على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع ، ثم ينى عليه خير ثوابا ، وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له : عقابك النار .. (١).
والخلاصة أنه لا ثواب لهؤلاء الكافرين سوى النار ، أما المؤمنون فثوابهم جنات تجرى من تحتها الأنهار.
وقال بعض العلماء : «ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا ، وهو أن الكافر يجازى بعمله الصالح في الدنيا ، فإذا بر والديه ، ونفس عن المكروب .. فإن الله يثيبه في الدنيا. فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا ، هو الذي فضل عليه ثواب المؤمنين ، وهذا واضح لا إشكال فيه» (٢).
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد حكت جانبا من تباهي الكافرين بدنياهم ، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٨.
(٢) تفسير أضواء البيان للشيخ الشنقيطى ج ٤ ص ٣٦٤.