وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الآية التي تخبر عن سنة من سننه في الظالمين فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً).
أى : وكثير من القرى الظالمة التي سبقتك ـ أيها الرسول الكريم ـ قد أهلكناها وأبدناها وجعلناها خاوية على عروشها.
والاستفهام في قوله (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) للنفي : أى : ما تحس منهم أحدا ولا ترى منها ديارا. يقال : أحس الرجل الشيء إحساسا ، إذا علمه وشعر به.
وقوله (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) معطوف على ما قبله ، والركز. الصوت الخفى. ومنه قولهم : ركز فلان رمحه ، إذا غيب طرفه وأخفاه في الأرض. ومنه الركاز للمال المدفون في الأرض.
والمعنى : أهلكنا كثيرا من القرى الظالمة الماضية ، فأصبحت لا ترى منهم أحدا على الإطلاق ، ولا تسمع لهم صوتا حتى ولو كان صوتا خافتا ضعيفا وإنما هم في سكون عميق ، وصمت رهيب ، بعد أن كانوا فوق هذه الأرض يدبون ويتحركون.
وهذه سنتنا التي لا تتخلف في الظالمين. (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) نعوذ بالله ـ تعالى ـ من ذلك.
وبعد : فهذا تفسير لسورة مريم ، نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|
المؤلف د. محمد سيد طنطاوى |
__________________
(١) سورة الدخان آية ٥٨.