الواضح الجلى. أى : إنى أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه نارا على مقربة منى ، فامكثوا في أماكنكم (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ).
والقبس : الشعلة التي تؤخذ من النار في طرف عود أو نحوه. ووزنه فعل ـ بفتح العين ـ بمعنى مفعول أى : لعلى آتيكم من هذه النار بشعلة مقتبسة منها ، ومأخوذة عنها.
وقوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) معطوف على ما قبله.
أى : امكثوا في مكانكم حتى أذهب إلى النار التي شاهدتها ، لعلى آتيكم منها بشعلة ، أو أجد عندها هاديا يهديني الى الطريق الذي أسلكه لكي أصل إلى المكان الذي أريده.
فقوله (هُدىً) مصدر بمعنى اسم الفاعل أى : هاديا.
وقد دلت آية أخرى على أن موسى قد ذهب إلى النار ليأتى منها بما يدفئ أهله من البرد.
وهذه الآية هي قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً. قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حدث لموسى بعد أن اقترب من النار فقال : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً).
أى : فلما أتى موسى ـ عليهالسلام ـ إلى النار ، واقترب منها .. (نُودِيَ) من قبل الله ـ عزوجل ـ (يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) الذي خلقك فسواك فعدلك .. (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) تعظيما لأمرنا. وتأدبا في حضرتنا.
وقوله (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) تعليل للأمر بخلع النعل ، أى : أزل نعليك من رجليك لأنك الآن موجود بالوادي (الْمُقَدَّسِ) أى : المطهر المبارك ، المسمى طوى : فهو عطف بيان من الوادي.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أى : اصطفيتك من بين أفراد قومك لحمل رسالتي ، وتبليغ دعوتي (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) إليك منى ، ونفذ ما آمرك به.
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) مستحق للعبادة والطاعة والخضوع (فَاعْبُدْنِي) عبادة خالصة لوجهي.
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ) التي هي من أشرف العبادات ، وأفضل الطاعات (لِذِكْرِي) أى :
__________________
(١) سورة القصص الآية ٢٩.