مرّوا بذوي اللغو ، يقال : فلان يكرم عما يشينه ، أي : يتنزّه ويكرم نفسه عن الدخول في اللغو والاختلاط بأهله (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : بالقرآن ، أو بما فيه موعظة وعبرة (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) أي : لم يقعوا عليها حال كونهم صما وعميانا ، ولكنهم أكبوا عليها سامعين مبصرين ، وانتفعوا بها. قال ابن قتيبة : المعنى لم يتغافلوا عنها ، كأنهم صمّ لم يسمعوها ، وعمي لم يبصروها. قال ابن جرير : ليس ثم خرور ، بل كما يقال قعد يبكي ، وإن كان غير قاعد. قال ابن عطية : كأن المستمع للذكر قائم ، فإذا أعرض عنه كان ذلك خرورا ، وهو السقوط على غير نظام. قيل المعنى : إذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم ، فخروا سجدا وبكيا ، ولم يخرّوا عليها صما وعميانا. قال الفراء : أي لم يقعدوا على حالهم الأول ، كأن لم يسمعوا. قال في الكشاف : ليس بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفي للصمم والعمى ، وأراد أن النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) من : ابتدائية ، أو بيانية. قرأ نافع وابن كثير وابن عباس والحسن (وَذُرِّيَّاتِنا) بالجمع وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى «وذرّيتنا» بالإفراد ، والذرّية : تقع على الجمع ، كما في قوله : (ذُرِّيَّةً ضِعافاً) (١) وتقع على الفرد كما في قوله : ذرّية طيبة ، وانتصاب قرّة أعين على المفعولية ، يقال : قرّت عينه قرة. قال الزجاج : يقال أقرّ الله عينك ، أي : صادف فؤادك ما يحبه. وقال المفضل : في قرّة العين ثلاثة أقوال : أحدها : برد دمعها ، لأنه دليل السرور والضحك ، كما أن حرّه دليل الحزن والغمّ. والثاني : نومها ، لأنه يكون مع فراغ الخاطر ، وذهاب الحزن. والثالث : حصول الرضا. (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي : قدوة يقتدى بنا في الخير ، وإنما قال : إماما ، ولم يقل أئمة ، لأنه أريد به الجنس. كقوله : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (٢) قال الفراء : قال إماما ، ولم يقل أئمة ؛ كما قال للاثنين (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣) يعني : أنه من الواحد الذي أريد به الجمع. وقال الأخفش : الإمام جمع أمّ من أمّ يؤم جمع على فعال ، نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام. وقيل : إن إماما مصدر ، يقال : أمّ فلان فلانا إماما ، مثل الصيام والقيام. وقيل أرادوا : اجعل كل واحد منا إماما ، وقيل أرادوا : اجعلنا إماما واحدا لاتحاد كلمتنا ، وقيل : إنه من الكلام المقلوب ، وأن المعنى : واجعل المتقين لنا إماما ، وبه قال مجاهد. وقيل : إن هذا الدعاء صادر عنهم بطريق الانفراد ، وأن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء : واجعلني للمتقين إماما ، ولكنها حكيت عبارات الكل بصيغة المتكلم مع الغير لقصد الإيجاز كقوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً) (٤) وفي هذا إبقاء إماما على حاله ، ومثل ما في الآية قول الشاعر :
يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي |
|
إنّ العواذل ليس لي بأمين |
أي : أمناء. قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد ، كأنه قيل : اجعلنا حجة للمتقين ، ومثله البينة ، يقال : هؤلاء بينة فلان. قال النيسابوري : قيل في الآية دلالة على أن الرياسة الدينية
__________________
(١). النساء : ٩.
(٢). الحج : ٥.
(٣). الشعراء : ١٦.
(٤). المؤمنون : ٥١.