(وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) قال : سبأ بأرض اليمن ، يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) قال : بخبر حقّ. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه أيضا : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) قال : كان اسمها بلقيس بنت ذي شيرة ، وكانت صلباء شعراء. وروي عن الحسن وقتادة وزهير بن محمد أنها بلقيس بنت شراحيل ، وعن ابن جريج بنت ذي شرح. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أحد أبوي بلقيس كان جنيّا» وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) قال : سرير كريم من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ حسن الصنعة غالي الثمن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) قال : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض.
(قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠))
جملة (قالَ سَنَنْظُرُ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، أي : قال سليمان للهدهد : سننظر فيما أخبرتنا به من هذه القصة (أَصَدَقْتَ) فيما قلت (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) هذه الجملة الاستفهامية في محل نصب على أنها مفعول سننظر ، وأم هي المتصلة ، وقوله : (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أبلغ من قوله أم كذبت ، لأن المعنى : من الذين اتصفوا بالكذب وصار خلقا لهم. والنظر هو التأمل والتصفح ، وفيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار ، والكشف عن الحقائق ، وعدم قبول خبر المخبرين تقليدا لهم ، واعتمادا عليهم ، إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه. ثم بين سليمان هذا النظر الذي وعد به فقال : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) أي : إلى أهل سبأ. قال الزجاج : في ألقه خمسة أوجه : إثبات الياء في اللفظ وحذفها ، وإثبات الكسرة للدلالة عليها ، وبضم الهاء وإثبات الواو ، وبحذف الواو وإثبات الضمة للدلالة عليها ، وبإسكان الهاء. وقرأ بهذه اللغة الخامسة أبو عمرو وحمزة وأبو بكر. وقرأ قالون بكسر الهاء فقط من غير ياء. وروي عن هشام وجهان : إثبات الياء