لفظا وحذفها مع كسر الهاء. وقرأ الباقون بإثبات الياء في اللفظ ، وقوله : (بِكِتابِي هذا) يحتمل أن يكون اسم الإشارة صفة للكتاب ، وأن يكون بدلا منه ، وأن يكون بيانا له ، وخصّ الهدهد بإرساله بالكتاب لأنه المخبر بالقصة ، ولكونه رأى منه من مخايل الفهم ، والعلم ، وما يقتضي كونه أهلا للرسالة (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أي تنحّ عنهم ، أمره بذلك لكون التنحي بعد دفع الكتاب من أحسن الآداب التي يتأدب بها رسل الملوك ، والمراد : التنحي إلى مكان يسمع فيه حديثهم ، حتى يخبر سليمان بما سمع ، وقيل : معنى التولي : الرجوع إليه ، والأوّل أولى لقوله : (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أي : تأمل وتفكر فيما يرجع بعضهم إلى بعض من القول ، وما يتراجعونه بينهم من الكلام (قالَتْ) أي : بلقيس (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في الكلام حذف ، والتقدير : فذهب الهدهد فألقاه إليهم ، فسمعها تقول : يا أيها الملأ إلخ ، ووصفت الكتاب بالكريم ، لكونه من عند عظيم في نفسها ، فعظمته إجلالا لسليمان ، وقيل : وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن ، وقيل : وصفته بذلك لكونه وصل إليها مختوما بخاتم سليمان ، وكرامة الكتاب ختمه كما روي ذلك مرفوعا ، ثم بينت ما تضمنه هذا الكتاب فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي : وإن ما اشتمل عليه من الكلام وتضمنه من القول مفتتح بالتسمية وبعد التسمية (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) أي : لا تتكبروا كما يفعله جبابرة الملوك ، وأن هي المفسرة ، وقيل : مصدرية ، ولا : ناهية ، وقيل : نافية ، ومحل الجملة الرفع على أنها بدل من كتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أن لا تعلوا. قرأ الجمهور «إنه من سليمان وإنه» بكسرهما على الاستئناف ، وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتحهما على إسقاط حرف الجرّ ، وقرأ أبيّ «إن من سليمان وإن بسم الله» بحذف الضميرين وإسكان النونين على أنهما مفسرتان ، وقرأ عبد الله بن مسعود «وإنه من سليمان» بزيادة الواو ، وروي ذلك أيضا عن أبيّ. وقرأ أشهب العقيلي وابن السميقع «أن لا تغلو» بالغين المعجمة من الغلوّ ، وهو تجاوز الحدّ في الكبر (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي : منقادين للدين ، مؤمنين بما جئت به (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) الملأ : أشراف القوم ، والمعنى يا أيها الأشراف أشيروا عليّ وبينوا لي الصواب في هذا الأمر ، وأجيبوني بما يقتضيه الحزم ، وعبرت عن المشورة بالفتوى ، لكون في ذلك حلّ لما أشكل من الأمر عليها ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : فلما قرأت بلقيس الكتاب ، جمعت أشراف قومها وقالت لهم : يا أيها الملأ إني ألقي إليّ ، يا أيها الملأ أفتوني ، وكرّر قالت لمزيد العناية بما قالته لهم ، ثم زادت في التأدب واستجلاب خواطرهم ليمحضوها النصح ، ويشيروا عليها بالصواب فقالت : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي : ما كنت مبرمة أمرا من الأمور حتى تحضروا عندي ، وتشيروا عليّ ، ف (قالُوا) مجيبين لها (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) في العدد والعدّة (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) عند الحرب واللقاء ، لنا من الشجاعة والنجدة ما نمنع به أنفسنا ، وبلدنا ، ومملكتنا. ثم فوّضوا الأمر إليها لعلمهم بصحة رأيها ، وقوة عقلها فقالوا : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أي : موكول إلى رأيك ونظرك (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي : تأملي ماذا تأمرينا به فنحن سامعون لأمرك مطيعون له ، فلما سمعت تفويضهم الأمر إليها (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) أي : إذا دخلوا قرية من القرى خرّبوا مبانيها ، وغيروا مغانيها ، وأتلفوا