الشياطين قالوا له إن في عقلها شيئا ، فأراد أن يمتحنها ، وقيل : خافت الجنّ أن يتزوج بها سليمان ، فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا ، فقالوا لسليمان إنها ضعيفة العقل ورجلها كرجل الحمار ، وقوله : (نَنْظُرْ) بالجزم على أنه جواب الأمر ، وبالجزم قرأ الجمهور ، وقرأ أبو حيان بالرفع على الاستئناف (أَتَهْتَدِي) إلى معرفته ، أو إلى الإيمان بالله (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إلى ذلك (فَلَمَّا جاءَتْ) أي : بلقيس إلى سليمان (قِيلَ) لها ، والقائل هو سليمان ، أو غيره بأمره (أَهكَذا عَرْشُكِ) لم يقل هذا عرشك لئلا يكون ذلك تلقينا لها فلا يتمّ الاختبار لعقلها (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) قال مجاهد : جعلت تعرف وتنكر وتعجب من حضوره عند سليمان ، فقالت : كأنه هو. وقال مقاتل : عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولو قيل لها : أهذا عرشك؟ لقالت : نعم. وقال عكرمة : كانت حكيمة ، قالت : إن قلت هو خشيت أن أكذب ، وإن قلت لا خشيت أن أكذب ، فقالت : كأنه هو ، وقيل : أراد سليمان أن يظهر لها أن الجنّ مسخرون له (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قيل : هو من كلام بلقيس ، أي : أوتينا العلم بصحة نبوّة سليمان من قبل هذه الآية في العرش «وكنا مسلمين» منقادين لأمره. وقيل : هو من قول سليمان ، أي : أتينا العلم بقدرة الله من قبل بلقيس ، وقيل : أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبلها ، أي : من قبل مجيئها ، وقيل : هو من كلام قوم سليمان. والقول الثاني : أرجح من سائر الأقوال (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) هذا من كلام الله سبحانه بيان لما كان يمنعها من إظهار ما ادعته من الإسلام ، ففاعل صد هو ما كانت تعبد ، أي : منعها من إظهار الإيمان ما كانت تعبده ، وهي الشمس. قال النحاس : أي صدّها عبادتها من دون الله ، وقيل : فاعل صدّ هو الله ، أي : منعها الله ما كانت تعبد من دونه فتكون «ما» في محل نصب ، وقيل : الفاعل سليمان ، أي : ومنعها سليمان ما كانت تعبد ، والأول : أولى ، والجملة مستأنفة للبيان كما ذكرنا ، وجملة (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) تعليل للجملة الأولى ، أي : سبب تأخرها عن عبادة الله ، ومنع ما كانت تعبده عن ذلك أنها كانت من قوم متصفين بالكفر. قرأ الجمهور «إنها» بالكسر. وقرأ أبو حيان بالفتح. وفي هذه القراءة وجهان : أحدهما أن الجملة بدل مما كانت تعبد. والثاني أن التقدير : لأنها كانت تعبد ، فسقط حرف التعليل (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ). قال أبو عبيدة : الصرح : القصر. وقال الزجاج : الصرح الصحن. يقال هذه صرحة الدار وقاعتها. قال ابن قتيبة : الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير وجعل تحته ماء وسمك. وحكى أبو عبيد في الغريب أن الصرح كل بناء عال مرتفع ، وأن الممرّد الطويل (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) أي : فلما رأت الصرح بين يديها حسبت أنه لجة ، واللجة معظم الماء ، فلذلك كشفت عن ساقيها لتخوض الماء ، فلما فعلت ذلك (قالَ) سليمان (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) الممرّد المحكوك المملس ، ومنه الأمر ، وتمرّد الرجل إذا لم تخرج لحيته ، قال الفراء. ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق لها. والممرّد أيضا المطوّل ، ومنه قيل للحصن : مارد ، ومنه قول الشاعر :
غدوت صباحا باكرا فوجدتهم |
|
قبيل الضّحى في السّابريّ الممرّد |
أي : الدروع الواسعة الطويلة ، فلما سمعت بلقيس ذلك أذعنت واستسلمت ، و (قالَتْ رَبِّ إِنِّي