ظَلَمْتُ نَفْسِي) أي : بما كنت عليه من عبادة غيرك ، وقيل : بالظنّ الذي توهمته في سليمان ، لأنها توهمت أنه أراد تغريقها في اللجة ، والأوّل أولى (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) متابعة له داخلة في دينه (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) التفتت من الخطاب إلى الغيبة ، قيل : لإظهار معرفتها بالله ، والأولى أنها التفتت لما في هذا الاسم الشريف من الدلالة على جميع الأسماء ، ولكونه علما للذات.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) قال : زيد فيه ونقص ل (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) قال : لننظر إلى عقلها فوجدت ثابتة العقل. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) قال : من قول سليمان. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد نحوه. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) قال : بحرا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه في أثر طويل أن سليمان تزوّجها بعد ذلك. قال أبو بكر ابن أبي شيبة : ما أحسنه من حديث. قال ابن كثير في تفسيره بعد حكايته لقول أبي بكر بن أبي شيبة : بل هو منكر جدا ، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس ، والله أعلم.
والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب بما يوجد في صحفهم ، كروايات كعب ووهب سامحهما الله ، فيما نقلا إلى هذه الأمة من بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب ، مما كان ، ومما لم يكن ، ومما حرّف وبدّل ونسخ ، انتهى ، وكلامه هذا هو شعبة مما قد كررناه في هذا التفسير ونبهنا عليه في عدّة مواضع ، وكنت أظنّ أنه لم ينبه على ذلك غيري. فالحمد لله على الموافقة لمثل هذا الحافظ المنصف. وأخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوّل من صنعت له الحمّامات سليمان» وروي عنه مرفوعا من طرق أخرى رواها الطبراني وابن عديّ في الكامل والبيهقي في الشعب بلفظ «أوّل من دخل الحمّام سليمان فلمّا وجد حرّه قال أوّه من عذاب الله».
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) معطوف على قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ) واللام : هي الموطئة للقسم ، وهذه القصة من جملة بيان قوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) و (صالِحاً) عطف بيان ،