و (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) تفسير للرسالة ، وأن : هي المفسرة ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : بأن اعبدوا الله ، وإذا ، في (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) هي : الفجائية ، أي : ففاجؤوا التفرق والاختصام ، والمراد بال (فَرِيقانِ) المؤمنون منهم والكافرون ، ومعنى الاختصام : أن كلّ فريق يخاصم على ما هو فيه ، ويزعم أن الحقّ معه ، وقيل : إن الخصومة بينهم في صالح ، هل هو مرسل أو لا؟ وقيل : أحد الفريقين : صالح ، والفريق الآخر : جميع قومه ، وهو ضعيف (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي : قال صالح للفريق الكافر منهم ، منكرا عليهم : لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟ قال مجاهد : بالعذاب قبل الرحمة. والمعنى : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب ، وتقدّمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون : ائتنا يا صالح بالعذاب (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) هلا تستغفرون الله ، وتتوبون إليه من الشرك (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) رجاء أن ترحموا أو كي ترحموا فلا تعذبوا ، فإن استعجال الخير ، أولى من استعجال الشرّ ، ووصف العذاب بأنه سيئة مجازا ، إما لأن العقاب من لوازمه ، أو لأنه يشبهه في كونه مكروها ، فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح والكلام اللين أنهم (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) أصله : تطيرنا ، وقد قرئ بذلك ، والتطير : التشاؤم ، أي : تشاءمنا بك ، وبمن معك ممن أجابك ، ودخل في دينك ، وذلك لأنه أصابهم قحط ، فتشاءموا بصالح ، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة ، وأشقاهم بها ، وكانوا إذا أرادوا سفرا ، أو أمرا من الأمور ، نفروا طائرا من وكره ، فإن طار يمنة ساروا ، وفعلوا ما عزموا عليه ، وإن طار يسرة تركوا ذلك ، فلما قالوا ذلك (قالَ) لهم صالح (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي : ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به ، بل سبب ذلك عند الله ، وهو ما يقدّره عليكم ، والمعنى : أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم ، وهذا كقوله تعالى : (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) ، ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان ، فقال : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) أي : تمتحنون ، وتختبرون ، وقيل : تعذبون بذنوبكم ، وقيل : يفتنكم غيركم ، وقيل : يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة ، أو بما لأجله تطيرون ، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) التي فيها صالح ، وهو الحجر (تِسْعَةُ رَهْطٍ) أي : تسعة رجال من أبناء الأشراف ، والرهط : اسم للجماعة ، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم جماعة ، والجمع : أرهط وأراهط ، وهؤلاء التسعة هم أصحاب قدار ؛ عاقر الناقة ، ثم وصف هؤلاء بقوله : (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) أي : شأنهم وعملهم الفساد في الأرض الذي لا يخالطه صلاح ، وقد اختلف في أسماء هؤلاء التسعة اختلافا كثيرا ، لا حاجة إلى التطويل بذكره (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ) أي : قال بعضهم لبعض : احلفوا بالله ، هذا على أن تقاسموا : فعل أمر ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا ، كأنه قيل ما قالوا ، فقال : تقاسموا. أو يكون حالا على إضمار قد ، أي : قالوا ذلك متقاسمين ؛ وقرأ ابن مسعود «يفسدون في الأرض ولا يصلحون تقاسموا بالله» وليس فيها قالوا ، واللام في (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) جواب القسم ، أي : لنأتينه بغتة في وقت البيات ، فنقتله وأهله (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) قرأ الجمهور بالنون للمتكلم ، في لنبيتنه ، وفي لنقولن ، واختار هذه القراءة أبو حاتم. وقرأ حمزة