وهو من زعم أن لله شريكا (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) أي : كذّب بالرسول الذي أرسل إليه ، والكتاب الذي أنزله على رسوله. وقال السدّي : كذّب بالتوحيد ، والظاهر شموله لما يصدق عليه أنه حق. ثم هدّد المكذبين وتوعدهم فقال : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) أي : مكان يستقرّون فيه ، والاستفهام للتقرير ، والمعنى : أليس يستحقون الاستقرار فيها وقد فعلوا ما فعلوا؟ ثم لما ذكر حال المشركين الجاحدين للتوحيد الكافرين بنعم الله أردفه بحال عباده الصالحين ، فقال : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي : جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ، ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا ، أي : الطريق الموصل إلينا. قال ابن عطية : هي مكية نزلت قبل فرض الجهاد العرفي (١) ، وإنما هو جهاد عامّ في دين الله وطلب مرضاته ، وقيل : الآية هذه نزلت في العباد. وقال إبراهيم بن أدهم : هي في الذين يعملون بما يعلمون (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنصر والعون ، ومن كان معه لم يخذل ، ودخلت لام التوكيد على مع بتأويل كونها اسما ، أو على أنها حرف ، ودخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار كما تقول : إن زيدا لفي الدار ، والبحث مقرّر في علم النحو.
وقد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا نزلت هذه الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٢) ؛ قلت : يا ربّ أيموت الخلائق كلّهم ويبقى الأنبياء؟ فنزلت (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ)». وينظر كيف صحة هذا ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم بعد أن يسمع قول الله سبحانه (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) يعلم أنه ميت ، وقد علم أن من قبله من الأنبياء قد ماتوا ، وأنه خاتم الأنبياء ، فكيف ينشأ عن هذه الآية ما رواه عنه عليّ رضي الله عنه من قوله : «أيموت الخلائق ويبقى الأنبياء» فلعلّ هذه الرواية لا تصح مرفوعة ، ولا موقوفة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر ، قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عمر قال : خرجت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى دخل بعض حيطان المدينة فجعل يلتقط التّمر ويأكل ، فقال لي : مالك لا تأكل؟ قلت : لا أشتهيه يا رسول الله ، قال : لكنّي أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربّي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين. قال : فو الله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) الآية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ الله لم يأمرني بكنز الدّنيا ولا باتّباع الشّهوات ، ألا وإنّي لا أكنز دينارا ولا درهما ، ولا أخبأ رزقا لغد». وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صلىاللهعليهوسلم فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. وفي إسناده أبو العطوف الجوزي ، وهو ضعيف. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) قال : باقية. وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي في الشعب عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الحيوان ، وهو يسعى لدار الغرور» وهو مرسل.
__________________
(١). قتال الأعداء.
(٢). الزمر : ٣٠.