وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١))
قوله : (الم) قد قدمنا الكلام على فاتحة هذه السورة ، وعلى محلها من الإعراب في سورة البقرة ، وفي مواضع كثيرة من فواتح السور ، وارتفاع (تَنْزِيلُ) على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ؛ على تقدير أن : الم في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أو خبر لقوله : الم على تقدير أنه اسم للسورة ، و (لا رَيْبَ فِيهِ) في محل نصب على الحال ، ويجوز أن يكون ارتفاع تنزيل على أنه مبتدأ ؛ وخبره لا ريب فيه ، ومن ربّ العالمين في محل نصب على الحال ، ويجوز أن تكون هذه كلها أخبارا للمبتدأ قبل تنزيل ، أو لقوله : الم على تقدير أنه مبتدأ لا على تقدير أنه حروف مسروده على نمط التعديد. قال مكي : وأحسن الوجوه أن تكون «لا ريب فيه» : في موضع الحال ، و «من رب العالمين» : الخبر ، والمعنى على هذه الوجوه : أن تنزيل الكتاب المتلوّ لا ريب فيه ، ولا شكّ ، وأنه منزل من ربّ العالمين ، وأنه ليس بكذب ، ولا سحر ، ولا كهانة ، ولا أساطير الأوّلين ، و «أم» في (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) هي : المنقطعة التي بمعنى : بل والهمزة ، أي : بل أيقولون هو مفترى ، فأضرب عن الكلام الأوّل إلى ما هو معتقد الكفار مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ ، ومعنى «افتراه» : افتعله ، واختلقه. ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ما هو الحق في شأن الكتاب فقال : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فكذبهم سبحانه في دعوى الافتراء ، ثم بين العلة التي كان التنزيل لأجلها فقال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) وهم العرب ، وكانوا أمة أمية لم يأتهم رسول ، وقيل : قريش خاصة ، والمفعول الثاني : لتنذر محذوف ، أي : لتنذر قوما العقاب ، وجملة ما أتاهم من نذير في محل نصب على الحال ، ومن قبلك : صفة لنذير. وجوّز أبو حيان أن تكون ما موصولة ، والتقدير : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير قبلك ، وهو ضعيف جدّا ، فإن المراد تعليل الإنزال بالإنذار لقوم لم يأتهم نذير قبله ، لا تعليله بالإنذار لقوم قد أنذر بما أنذرهم به ، وقيل : المراد بالقوم : أهل الفترة ما بين عيسى ومحمّد صلىاللهعليهوسلم (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) رجاء أن يهتدوا ، أو كي يهتدوا (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) قد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف ، والمراد من ذكرها هنا : تعريفهم كمال قدرته ، وعظيم صنعه ليسمعوا القرآن ، ويتأملوه ، ومعنى خلق : أوجد وأبدع. قال الحسن : الأيام هنا هي من أيام الدنيا ، وقيل : مقدار اليوم : ألف سنة في سني الدنيا ، قاله الضحاك. فعلى هذا المراد بالأيام هنا هي من أيام الآخرة ؛ لا من أيام الدنيا ، وليست ثم للترتيب في قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي : ليس لكم من دون الله ، أو من دون عذابه من وليّ يواليكم ، ويردّ عنكم عذابه ، ولا شفيع يشفع لكم عنده (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) تذكر تدبر