الله قتالا لنقاتلنّ ، وهم بنو حارثة ، وبنو سلمة (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) أي : مسؤولا عنه ، ومطلوبا صاحبه بالوفاء به ، ومجازى على ترك الوفاء به (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) فإن من حضر أجله مات أو قتل فرّ أو لم يفرّ (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي : تمتعا قليلا أو زمانا قليلا بعد فرارهم إلى أن تنقضي آجالهم ، وكلّ ما هو آت فهو قريب. قرأ الجمهور «تمتعون» بالفوقية ، وقرأ يعقوب الحضرمي في رواية الساجي عنه بالتحتية. وفي بعض الروايات «لا تمتعوا» بحذف النون إعمالا لإذن ، وعلى قراءة الجمهور هي ملغاة (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) أي : هلاكا أو نقصا في الأموال وجدبا ومرضا (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) يرحمكم بها من خصب ونصر وعافية (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يواليهم ، ويدفع عنهم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم من عذاب الله.
وقد أخرج الطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي مريم الغساني أن أعرابيا قال : يا رسول الله أيّ شيء كان أوّل نبوّتك؟ قال : أخذ الله منّي الميثاق كما أخذ من النّبيّين ميثاقهم ، ثم تلا (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ودعوة إبراهيم قال : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) (١) ، وبشرى عيسى ابن مريم ، ورأت أمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قيل : يا رسول الله متى أخذ ميثاقك؟ قال : «وآدم بين الرّوح والجسد». وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عنه قال : قيل يا رسول الله! متى كنت نبيا؟ قال : وآدم بين الرّوح والجسد». وفي الباب أحاديث قد صحّح بعضها. وأخرج الحسن بن سفيان ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل والديلمي ، وابن عساكر من طريق قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) الآية قال : «كنت أوّل النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» ، فبدأ به قبلهم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : (مِيثاقَهُمْ) عهدهم. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم. وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، كلاهما في الدلائل وابن عساكر من طرق عن حذيفة قال : لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معهم من الأحزاب فوقنا ، وقريظة اليهود أسفل منا ؛ نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا ليلة قط أشدّ ظلمة ولا أشدّ ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم و (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له ، فيتسللون ونحن ثلاثمائة ، أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا حتى مرّ عليّ وما عليّ جنة من العدوّ ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي ، فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال : من هذا؟ فقلت : حذيفة ، قال : حذيفة ، فتقاصرت إلى الأرض ، فقلت بلى يا رسول الله! كراهية أن أقوم ، قال : قم فقمت ، فقال :
__________________
(١). البقرة : ١٢٩.