لا يخرجن ، وهذا يخالف ما ذكرناه هنا عنه عن الكسائي وهو من أجلّ مشايخه. وقد وافقه على الإنكار لهذه القراءة أبو حاتم فقال : إن قرن بفتح القاف لا مذهب له في كلام العرب. قال النحاس : قد خولف أبو حاتم في قوله إنه لا مذهب له في كلام العرب بل فيه مذهبان : أحدهما حكاه الكسائي ، والآخر عليّ بن سليمان ، فأما المذهب الذي حكاه الكسائي فهو ما قدّمناه من رواية أبي عبيد عنه ، وأما المذهب الذي حكاه عليّ بن سليمان ، فقال : إنه من قررن به عينا أقرّ. والمعنى : واقررن به عينا في بيوتكنّ. قال النحاس : وهو وجه حسن.
وأقول : ليس بحسن ولا هو معنى الآية ، فإن المراد بها أمرهنّ بالسكون والاستقرار في بيوتهنّ ، وليس من قرّة العين. وقرأ ابن أبي عبلة «واقررن» بألف وصل وراءين ، الأولى مكسورة على الأصل (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) التبرّج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره ، مما تستدعي به شهوة الرجل. وقد تقدّم معنى التبرّج في سورة النور. قال المبرد : هو مأخوذ من السعة ، يقال في أسنانه برج : إذا كانت متفرّقة. وقيل : التبرّج هو التبختر في المشي ، وهذا ضعيف جدّا.
وقد اختلف في المراد : بالجاهلية الأولى ، فقيل : ما بين آدم ، ونوح ، وقيل : ما بين نوح وإدريس ، وقيل : ما بين نوح ، وإبراهيم ، وقيل : ما بين موسى ، وعيسى ، وقيل : ما بين عيسى ، ومحمّد. وقال المبرد : الجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء. قال : وكان نساء الجاهلية تظهر ما يقبح إظهاره ، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخليلها ، فينفرد خليلها بما فوق الإزار إلى أعلى ، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى أسفل ، وربما سأل أحدهما صاحبه البدل. قال ابن عطية : والذي يظهر لي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها فأمرن بالنقلة عن سيرتهنّ فيها ، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة ، لأنهم كانوا لا غيرة عندهم ، وليس المعنى أنّ ثم جاهلية أخرى كذا قال ، وهو قول حسن. ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى : ما يقع في الإسلام من التشبه بأهل الجاهلية ؛ بقول ، أو فعل ، فيكون المعنى : ولا تبرّجن أيتها المسلمات بعد إسلامكنّ مثل تبرّج أهل الجاهلية التي كنتنّ عليها ، وكان عليها من قبلكنّ ، أي : لا تحدثن بأفعالكنّ وأقوالكنّ جاهلية تشابه الجاهلية التي كانت من قبل (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) خصّ الصلاة والزكاة لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية. ثم عمم فأمرهنّ بالطاعة لله ، ولرسوله في كلّ ما هو شرع (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) أي : إنما أوصاكنّ الله بما أوصاكنّ من التقوى ، وأن لا تخضعن بالقول ، ومن قول المعروف ، والسكون في البيوت ، وعدم التبرّج ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والطاعة ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، والمراد بالرجس : الإثم والذنب المدنسان للأعراض الحاصلان بسبب ترك ما أمر الله به ، وفعل ما نهى عنه ، فيدخل تحت ذلك كلّ ما ليس فيه لله رضا ، وانتصاب أهل البيت على المدح كما قال الزجاج ، قال : وإن شئت على البدل. قال : ويجوز الرفع والخفض. قال النحاس : إن خفض فعلى أنه بدل من الكاف والميم ، واعترضه المبرد بأنه لا يجوز البدل من المخاطب ، ويجوز أن يكون نصبه على النداء (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أي : يطهركم من الأرجاس ، والأدران تطهيرا كاملا. وفي استعارة الرجس للمعصية والترشيح