بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ، ويوقف نفسه على ما قضاه الله عليه واختاره له ، وجمع الضميرين في قوله : لهم ومن أمرهم لأن مؤمن ومؤمنة وقعا في سياق النفي ، فهما يعمان كلّ مؤمن ومؤمنة. قرأ الكوفيون «أن يكون» بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد لأنه قد فرّق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله لهم مع كون التأنيث غير حقيقي ، وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسندا إلى الخيرة وهي مؤنثة لفظا ، والخيرة مصدر بمعنى الاختيار. وقرأ ابن السميقع «الخيرة» بسكون التحتية ، والباقون بتحريكها ، ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره فقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في أمر من الأمور ، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أي : ضلّ عن طريق الحق ضلالا واضحا ظاهرا لا يخفى.
وقد أخرج أحمد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه عن أمّ سلمة قالت : قلت : يا رسول الله! ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول : إن الله يقول : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) إلى آخر الآية. وروي نحو هذا عنها من طريق أخرى أخرجها الفريابي ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، والطبراني ، وابن مردويه عن أمّ عمارة الأنصارية أنها أتت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالت : ما أرى كلّ شيء إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ). وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه بإسناد. قال السيوطي : حسن ، عن ابن عباس قال : قالت النساء : يا رسول الله! ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فنزلت (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها ، قالت : لست بناكحته ، قال : بلى فانكحيه ، قالت : يا رسول الله أؤامر نفسي ، فبينما هما يتحدّثان أنزل الله هذه الآية على رسوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية ، قالت : قد رضيته لي يا رسول الله منكحا ، قال : نعم ، قالت : إذا لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي. وأخرج نحوه عنه ابن جرير من طريق أخرى. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزينب : «إنّي أريد أن أزوّجك زيد بن حارثة ، فإنّي قد رضيته لك» قالت : يا رسول الله! لكنّي لا أرضاه لنفسي وأنا أيّم قومي ، وبنت عمّتك فلم أكن لأفعل ، فنزلت هذه الآية (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) يعني زيدا (وَلا مُؤْمِنَةٍ) يعني زينب (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) يعني النكاح في هذا الموضع (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) يقول : ليس لهم الخيرة من أمرهم خلاف ما أمر الله به (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) قالت : قد أطعتك فاصنع ما شئت ، فزوّجها زيدا ودخل عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : نزلت في أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت أوّل امرأة هاجرت ، فوهبت نفسها للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فزوّجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي وأخوها ، وقالا : إنما أردنا رسول الله فزوّجنا عبده.