فيفصم الحلق. ثم خاطب داود وأهله فقال : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي : عملا صالحا كما في قوله : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي : لا يخفى عليّ شيء من ذلك (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) قرأ الجمهور (الرِّيحَ) بالنصب على تقدير : وسخرنا لسليمان الريح كما قال الزجاج ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بالرفع على الابتداء والخبر ، أي : ولسليمان الريح ثابتة أو مسخرة ، وقرأ الجمهور (الرِّيحَ) وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد بن إلياس «الرياح» بالجمع (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) أي تسير بالغداة مسيرة شهر ، وتسير بالعشي كذلك ، والجملة إما مستأنفة لبيان تسخير الريح ، أو في محل نصب على الحال ، والمعنى : أنها كانت تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين. قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل ، وبينهما مسيرة شهر (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) القطر : النحاس الذائب. قال الواحدي : قال المفسرون : أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطى سليمان ، والمعنى : أسلنا له عين النحاس كما ألنا الحديد لداود ، وقال قتادة : أسال الله له عينا يستعملها فيما يريد (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) من : مبتدأ ، ويعمل : خبره ، ومن الجنّ : متعلق به ، أو بمحذوف على أنه حال ، أو : من يعمل معطوف على الريح ، ومن الجنّ حال ، والمعنى : وسخرنا له من يعمل بين يديه حال كونه من الجنّ بإذن ربه ، أي : بأمره. والإذن مصدر مضاف إلى فاعله ، والجار والمجرور : في محل نصب على الحال ، أي : مسخرا أو ميسرا بأمر ربه (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) أي : ومن يعدل من الجنّ عن أمرنا الذي أمرناه به : وهو طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) قال أكثر المفسرين : وذلك في الآخرة ، وقيل : في الدنيا. قال السدّي : وكلّ الله بالجنّ ملكا بيده سوط من نار ، فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه بذلك السوط ضربة فتحرقه. ثم ذكر سبحانه ما يعمله الجنّ لسليمان فقال : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ) و (مِنْ) في قوله : (مِنْ مَحارِيبَ) للبيان ، والمحاريب في اللغة : كل موضع مرتفع ، وهي الأبنية الرفيعة ، والقصور العالية. قال المبرد : لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرج ، ومنه قيل : للذي يصلى فيه : محراب لأنه يرفع ويعظم. وقال مجاهد : المحاريب دون القصور. وقال أبو عبيدة : المحراب : أشرف بيوت الدار ، ومنه قول الشاعر :
وماذا عليه إن ذكرت أوانسا |
|
كغزلان رمل في محاريب أقيال |
وقال الضحاك : المراد بالمحاريب : هنا المساجد ، والتماثيل : جمع تمثال : وهو كلّ شيء مثلته بشيء ، أي : صورته بصورته من نحاس ، أو زجاج ، أو رخام ، أو غير ذلك. قيل : كانت هذه التماثيل صور الأنبياء ، والملائكة ، والعلماء ، والصلحاء ، وكانوا يصوّرونها في المساجد ليراها الناس ، فيزدادوا عبادة واجتهادا. وقيل : هي تماثيل أشياء ليست من الحيوان. وقد استدل بهذا على أن التصوير كان مباحا في شرع سليمان ، ونسخ ذلك بشرع نبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم. والجفان جمع جفنة : وهي القصعة الكبيرة. والجواب جمع جابية : وهي حفيرة كالحوض ، وقيل : هي الحوض الكبير يجبي الماء : أي يجمعه. قال الواحدي : قال المفسرون : يعني