عقاب الله يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير : هو الخسف الذي يخسف بهم في البيداء ، فيبقى رجل منهم ، فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون. وجواب لو محذوف ، أي : لرأيت أمرا هائلا ، ومعنى (فَلا فَوْتَ) فلا يفوتني أحد منهم ولا ينجو منهم ناج. قال مجاهد : فلا مهرب (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من ظهر الأرض أو من القبور ، أو من موقف الحساب. وقيل : من حيث كانوا ، فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه. قيل : ويجوز أن يكون هذا الفزع هو الفزع الذي بمعنى الإجابة ، يقال فزع الرجل : إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث به كفزعهم إلى الحرب يوم بدر (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) أي : بمحمّد ، قاله قتادة ، أو بالقرآن. وقال مجاهد : بالله عزوجل. وقال الحسن : بالبعث (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) التناوش التناول ، وهو تفاعل من التناوش الذي هو التناول ، والمعنى : كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد ، يعني في الآخرة وقد تركوه في الدنيا ، وهو معنى (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد ما فات عنهم. قال ابن السكيت : يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه أو بلحيته ناشه ينوشه نوشا ، وأنشد :
فهي تنوش الحوض نوشا من علا |
|
نوشا به تقطع أجواز الفلا (١) |
أي : تناول ماء الحوض من فوق ، ومنه المناوشة في القتال ، وقيل التناوش : الرجعة ، أي : وأنى لهم الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ، ومنه قول الشاعر :
تمنّى أن تؤوب إليّ ميّ |
|
وليس إلى تناوشها سبيل |
وجملة (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) في محل نصب على الحال ، أي : والحال أن قد كفروا بما آمنوا به الآن من قبل هذا الوقت ، وذلك حال كونهم في الدنيا. قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي والأعمش «التناؤش» بالهمز ، وقرأ الباقون بالواو ، واستبعد أبو عبيد والنحاس القراءة الأولى ، ولا وجه للاستبعاد ، فقد ثبت ذلك في لغة العرب وأشعارها ، ومنه قول الشاعر :
قعدت زمانا عن طلابك للعلا |
|
وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخيرا (٢) |
أي : وجئت أخيرا. قال الفراء : الهمز وترك الهمز متقارب (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) أي : يرمون بالظنّ فيقولون : لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل. وقيل المعنى : يقولون في القرآن أقوالا باطلة : إنه سحر وشعر وأساطير الأوّلين. وقيل يقولون في محمّد إنه ساحر شاعر كاهن مجنون. وقرأ أبو حيوة ، ومجاهد ، ومحبوب عن أبي عمرو «يقذفون» مبنيا للمفعول : أي يرجمون بما يسوؤهم من جراء أعمالهم من حيث لا يحتسبون ، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه ، والجملة إما معطوفة على : وقد كفروا به على أنها حكاية للحال الماضية واستحضار لصورتها ، أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من
__________________
(١). البيت لغيلان بن حريث.
(٢). في القرطبي (١٤ / ٣١٧) : الخبر.