مقرّرة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة ، والمعنى : أنه يزيد في خلق الملائكة ما يشاء ، وهو قول أكثر المفسرين ، واختاره الفراء والزجاج. وقيل : إن هذه الزيادة في الخلق غير خاصة بالملائكة ، فقال الزهري وابن جريج : إنها حسن الصوت. وقال قتادة : الملاحة في العينين ، والحسن في الأنف ، والحلاوة في الفم ، وقيل : الوجه الحسن ، وقيل : الخط الحسن ، وقيل : الشعر الجعد ، وقيل : العقل والتمييز ، وقيل : العلوم والصنائع ، ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص بل يتناول كلّ زيادة ، وجملة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل لما قبلها من أنه يزيد في الخلق ما يشاء (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) أي : ما يأتيهم الله به من مطر ورزق لا يقدر أحد أن يمسكه (وَما يُمْسِكْ) من ذلك لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه ، وقيل المعنى : إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله ، وقيل : هو الدعاء ، وقيل : التوبة ، وقيل : التوفيق والهداية. ولا وجه لهذا التخصيص ، بل المعنى : كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته فيشمل كلّ نعمة ينعم الله بها على خلقه ، وهكذا الإمساك يتناول كلّ شيء يمنعه الله من نعمه ، فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه ولا منعم غيره. ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعدّ ولا تحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ومعنى هذا الأمر لهم بالذكر هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها وطلب المزيد منها (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) من : زائدة وخالق : مبتدأ ، وغير الله : صفة له. قال الزجاج : ورفع غير على معنى هل خالق غير الله ، لأن «من» زيادة مؤكدة ، ومن خفض غير جعلها صفة على اللفظ. قرأ الجمهور برفع «غير» وقرأ حمزة والكسائي بخفضها ، وقرأ الفضل بن إبراهيم بنصبها على الاستثناء ، وجملة : (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) خبر المبتدأ ، أو جملة مستأنفة ، أو صفة أخرى لخالق ، وخبره محذوف ، والرزق من السماء : بالمطر ، ومن الأرض : بالنبات وغير ذلك ، وجملة : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مستأنفة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) من الأفك بالفتح : وهو الصرف ، يقال : ما أفكك عن كذا؟ أي : ما صرفك ، أي : فكيف تصرفون ، وقيل : هو مأخوذ من الإفك بالكسر ، وهو الكذب لأنه مصروف عن الصدق. قال الزجاج : أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله والبعث ، وأنتم مقرّون بأن الله خلقكم ورزقكم. ثم عزّى الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ليتأسى بمن قبله من الأنبياء ويتسلى عن تكذيب كفار العرب له (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لا إلى غيره فيجازي كلا بما يستحقه. قرأ الحسن ، والأعرج ، ويعقوب ، وابن عامر ، وأبو حيوة ، وابن محيصن ، وحميد ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف «ترجع» بفتح الفوقية على البناء للفاعل ، وقرأ الباقون بضمها على البناء للمفعول (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : وعده بالبعث ، والنشور ، والحساب ، والعقاب ، والجنة ، والنار ، كما أشير إليه بقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزخرفها ونعيمها. قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا ترجع الأمور (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزخرفها ونعيمها. قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (١) (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ
__________________
(١). الفجر : ٢٤.