الإشارة : مبتدأ ، وخبره : (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) أي : هذا الذي من صنعته ما تقدّم : هو الخالق المقدّر ، والقادر المقتدر المالك للعالم ، والمتصرّف فيه ، ويجوز أن يكون قوله : له الملك جملة مستقلة في مقابلة قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) أي : لا يقدرون عليه ولا على خلقه ، والقطمير : القشرة الرقيقة التي تكون بين التمرة والنواة ، وتصير على النواة كاللفافة لها. وقال المبرّد : هو شقّ النواة. وقال قتادة : هو القمع الذي على رأس النواة. قال الجوهري : ويقال هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة. ثم بين سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله بأنهم لا ينفعون ولا يضرّون فقال : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم ، لكونها جمادات لا تدرك شيئا من المدركات (وَلَوْ سَمِعُوا) على طريقة الفرض ، والتقدير (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لعجزهم عن ذلك. قال قتادة : المعنى ولو سمعوا لم ينفعوكم. وقيل المعنى : لو جعلنا لهم سماعا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الكفر (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) أي : يتبرؤون من عبادتكم لهم ، ويقولون : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) ويجوز أن يرجع (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار ، وهم : الملائكة والجنّ والشياطين. والمعنى : أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا ، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أي : لا يخبرك مثل من هو خبير بالأشياء عالم بها ، وهو الله سبحانه ، فإنه لا أحد أخبر بخلقه وأقوالهم ، وأفعالهم منه سبحانه ، وهو الخبير بكنه الأمور وحقائقها.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق لله في السموات والأرض إلا من شاء الله إلا مات ، ثم يرسل الله من تحت العرش منيا كمني الرجال ، فتنبت أجسامهم ولحومهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى ، ثم قرأ عبد الله (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) الآية. وأخرج أبو داود ، والطيالسي ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين العقيلي قال : قلت : يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال : «أما مررت بأرض مجدبة ، ثمّ مررت بها مخضبة تهتزّ خضراء؟ قلت : بلى ، قال : كذلك يحيي الله الموتى ، وكذلك النشور». وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال : إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله ، إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله ، قبض عليهنّ ملك يضمهنّ تحت جناحه ، ثم يصعد بهنّ إلى السماء ، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلا استغفر لقائلهنّ حتى يجيء بهنّ وجه الرحمن ، ثم قرأ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال : أداء الفرائض ، فمن ذكر الله في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه ردّ كلامه على عمله ، وكان عمله أولى به. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة