والمعنى : أنه لا يستوي الظلّ الذي لا حرّ فيه ولا أذى ، والحرّ الذي يؤذي. قيل : أراد الثواب والعقاب ، وسمي الحرّ حرورا مبالغة في شدّة الحرّ ، لأن زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى : وقال الكلبي : أراد بالظلّ : الجنة ، وبالحرور : النار. وقال عطاء : يعني ظلّ الليل ، وشمس النهار. قيل : وإنما جمع الظلمات ، وأفرد النور ، لتعدّد فنون الباطل ، واتحاد الحقّ. ثم ذكر سبحانه تمثيلا آخر للمؤمن والكافر فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) فشبه المؤمنين بالأحياء ، وشبه الكافرين بالأموات ، وقيل : أراد تمثيل العلماء والجهلة. وقال ابن قتيبة : الأحياء : العقلاء ، والأموات : الجهال. قال قتادة : هذه كلها أمثال : أي كما لا تستوي هذه الأشياء ؛ كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أن يسمعه من أوليائه الذين خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) يعني : الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم ، أي : كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قلبه ، قرأ الجمهور بتنوين «مسمع» وقطعه عن الإضافة. وقرأ الحسن ، وعيسى الثقفي ، وعمرو بن ميمون بإضافة (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) أي : ما أنت إلا رسول منذر ليس عليه إلا الإنذار والتبليغ ، والهدى والضلالة بيد الله عزوجل (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) يجوز أن يكون بالحقّ في محل نصب على الحال من الفاعل ، أي : محقين ، أو من المفعول ، أي : محقا ، أو : نعت لمصدر محذوف ، أي : إرسالا ملتبسا بالحقّ ، أو هو متعلق ببشيرا ، أي : بشيرا بالوعد الحقّ ، ونذيرا بالوعد الحقّ ، والأولى أن يكون نعتا للمصدر المحذوف ، ويكون معنى بشيرا : بشيرا لأهل الطاعة ، ونذيرا لأهل المعصية (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) أي : ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها ، واقتصر على ذكر النذير دون البشير ، لأنه ألصق بالمقام ، ثم سلى نبيه صلىاللهعليهوسلم وعزّاه ، فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبياءهم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالمعجزات الواضحة ، والدلالات الظاهرة (وَبِالزُّبُرِ) أي : الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) كالتوراة والإنجيل ، قيل : الكتاب المنير داخل تحت الزبر وتحت البينات ، والعطف لتغاير المفهومات ، وإن كنت متحدة في الصدق ، والأولى تخصيص البينات بالمعجزات ، والزبر بالكتب التي فيها مواعظ ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام ، (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة ، ويشعر بعلة الأخذ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : فكيف كان نكيري عليهم وعقوبتي لهم ، وقرأ ورش عن نافع ، وشيبة بإثبات الياء في «نكير» وصلا لا وقفا ، وقد مضى بيان معنى هذا قريبا.
وقد أخرج أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في حجة الوداع «ألا لا يجني جان إلا على نفسه ، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده» وأخرج سعيد بن منصور ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أبي رمثة قال : انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما رأيته قال لأبي : ابنك هذا؟ قال : إي وربّ الكعبة ، قال : أما أنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)