وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))
ثم لما فرغ سبحانه من ذكر جزاء عباده الصالحين ، ذكر جزاء عباده الكافرين فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) أي : لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحوا من العذاب (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) بل (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) وهذه الآية هي مثل قوله سبحانه : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١) قرأ الجمهور «فيموتوا» بالنصب جوابا للنفي ، وقرأ عيسى بن عمر والحسن بإثبات النون. قال المازني : على العطف على يقضى. وقال ابن عطية : هي قراءة ضعيفة ولا وجه لهذا التضعيف بل هي كقوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٢) (كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي كلّ من هو مبالغ في الكفر ، وقرأ أبو عمرو «نجزي» على البناء للمفعول (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) من الصراخ : وهو الصياح ، أي : وهم يستغيثون في النار رافعين أصواتهم ، والصارخ : المستغيث ، ومنه قول الشاعر:
كنّا إذا ما أتانا صارخ فزغ |
|
كان الصّراخ له قرع الظّنابيبا (٣) |
(رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) أي وهم يصطرخون يقولون : ربنا ... إلخ. قال مقاتل : هو أنهم ينادون : ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي نعمل : من الشرك والمعاصي ، فنجعل الإيمان منا بدل ما كنا عليه من الكفر ، والطاعة بدل المعصية ، وانتصاب صالحا على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : عملا صالحا ، أو صفة لموصوف محذوف ، أي : نعمل شيئا صالحا. قيل وزيادة قوله : (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) للتحسر على ما عملوه من غير الأعمال الصالحة مع الاعتراف منهم بأن أعمالهم في الدنيا كانت غير صالحة ، فأجاب الله سبحانه عليهم بقوله : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) والاستفهام : للتقريع والتوبيخ ، والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره ، وما : نكرة موصوفة ، أي : أو لم نعمركم عمرا يتمكن من التذكر فيه من تذكر. فقيل : هو ستون سنة ، وقيل : أربعون ، وقيل : ثماني عشرة سنة. قال بالأوّل : جماعة من الصحابة ، وبالثاني : الحسن ومسروق وغيرهما ، وبالثالث : عطاء وقتادة. وقرأ الأعمش «ما يذّكّر» بالإدغام (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) قال الواحدي : قال جمهور المفسرين : هو النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقال عكرمة وسفيان ابن عيينة ووكيع والحسن بن الفضل والفراء وابن جرير : هو الشيب ، ويكون معناه على هذا القول : أو لم نعمركم حتى شبتم ، وقيل : هو القرآن ، وقيل : الحمى. قال الأزهري : معناه : أن الحمى رسول الموت ، أي : كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه ، والشيب : نذير أيضا ، لأنه يأتي في سنّ الاكتهال ، وهو علامة لمفارقة سنّ الصبا الذي هو سنّ اللهو واللعب ، وقيل : هو موت الأهل والأقارب ، وقيل : هو كمال العقل ، وقيل :
__________________
(١). الأعلى : ١٣.
(٢). المرسلات : ٣٦.
(٣). البيت لسلامة بن جندل ، والظّنابيب : جمع الظنبوب ، وهو مسمار يكون في جبّة السّنان ، وقرع ظنابيب الأمر : ذلّله.