تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧))
قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) قد تقدّم الكلام على نظير هذا في سورة البقرة ، وسورة النمل ، والمعنى : اضرب لأجلهم مثلا ، أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلا : أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية ، فعلى الأوّل لما قال تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وقال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) قال قل لهم : ما أنا بدعا من الرسل ، فإن قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون ، وأنذروهم بما أنذرتكم ، وذكروا التوحيد ، وخوّفوا بالقيامة ، وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني لما قال : إن الإنذار لا ينفع من أضله الله ، وكتب عليه أنه لا يؤمن ، قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : اضرب لنفسك ولقومك مثلا : أي مثل لهم عند نفسك مثلا بأصحاب القرية حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا ، وصبر الرسل على الإيذاء وأنت جئت إليهم واحدا ، وقومك أكثر من قوم الثلاثة ، فإنهم جاءوا إلى أهل القرية ، وأنت بعثتك إلى الناس كافة. والمعنى : واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية ، أي : اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية ، فترك المثل ، وأقيم أصحاب القرية مقامه في الإعراب. وقيل : لا حاجة إلى الإضمار ، بل المعنى : اجعل أصحاب القرية لهم مثلا على أن يكون مثلا وأصحاب القرية مفعولين لا ضرب ، أو يكون أصحاب القرية بدلا من مثلا ، وقد قدّمنا الكلام على المفعول الأوّل من هذين المفعولين هل هو مثلا أو أصحاب القرية. وقد قيل : إن ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما في قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) (١) ويستعمل أخرى في ذكر حالة غريبة ، وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيره لها كما في قوله : (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٢) أي : بينا لكم أحوالا بديعة غريبة. هي في الغرابة كالأمثال فقوله سبحانه هنا (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) يصح اعتبار الأمرين فيه. قال القرطبي : هذه القرية هي إنطاكية في قول جميع المفسرين ، وقوله : (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) بدل اشتمال من أصحاب القرية ، والمرسلون : هم أصحاب عيسى بعثهم إلى أهل إنطاكية للدّعاء إلى الله ، فأضاف الله سبحانه الإرسال إلى نفسه في قوله : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) لأن عيسى أرسلهم بأمر الله سبحانه ، ويجوز أن يكون الله أرسلهم بعد رفع عيسى إلى السماء ، فكذبوهما في الرسالة ، وقيل ضربوهما وسجنوهما. قيل : واسم الاثنين يوحنا وشمعون. وقيل : أسماء الثلاثة صادق ومصدوق وشلوم قاله ابن جرير وغيره. وقيل : سمعان ويحيى وبولس (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) قرأ الجمهور
__________________
(١). التحريم : ١٠.
(٢). إبراهيم : ٤٥.