بالتشديد ، وقرأ أبو بكر عن عاصم بتخفيف الزاي. قال الجوهري «فعزّزنا» يخفف ويشدّد ، أي : قوينا وشدّدنا فالقراءتان على هذا بمعنى. وقيل : التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا ، ومنه (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) (١) والتشديد بمعنى : قوّينا وكثرنا. قيل : وهذا الثالث هو شمعون ، وقيل غيره (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أي : قال الثلاثة جميعا ، وجاءوا بكلامهم هذا مؤكدا لسبق التكذيب للاثنين ، والتكذيب لهما تكذيب للثالث ، لأنهم أرسلوا جميعا بشيء واحد ، وهو الدعاء إلى الله عزوجل ، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ؛ كأنه قيل : ما قال هؤلاء الرّسل بعد التعزيز لهم بثالث؟ وكذلك جملة : (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فإنها مستأنفة جواب سؤال قدّر : كأنه قيل فما قال لهم أهل إنطاكية ، فقيل : قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ، أي : مشاركون لنا في البشرية ، فليس لكم مزية علينا تختصون بها. ثم صرّحوا بجحود إنزال الكتب السماوية فقالوا : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) مما تدّعونه أنتم ويدّعيه غيركم ممن قبلكم من الرسل وأتباعهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) أي : ما أنتم إلا تكذبون في دعوى ما تدّعون من ذلك ، فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكد تأكيدا بليغا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية ، وهو قوله : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) فأكدوا الجواب بالقسم الذي يفهم من قولهم : ربنا يعلم ، وبإنّ ، وباللام (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : ما يجب علينا من جهة ربنا إلا تبليغ رسالته على وجه الظهور والوضوح ، وليس علينا غير ذلك ، وهذه الجملة مستأنفة كالتي قبلها ، وكذلك جملة : (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) فإنها مستأنفة جوابا عن سؤال مقدّر ، أي : إنا تشاءمنا بكم ، لم تجدوا جوابا تجيبون به على الرسل إلا هذا الجواب المبني على الجهل المنبئ عن الغباوة العظيمة ، وعدم وجود حجة تدفعون الرسل بها. قال مقاتل : حبس عنهم المطر ثلاث سنين. قيل : إنهم أقاموا ينذرونهم عشر سنين ، ثم رجعوا إلى التجبر والتكبر لما ضاقت صدورهم وأعيتهم العلل فقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) أي : لئن لم تتركوا هذه الدعوى وتعرضوا عن هذه المقالة لنرجمنكم بالحجارة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : شديد فظيع. قال الفراء : عامة ما في القرآن من الرجم المراد به القتل. وقال قتادة : هو على بابه من الرجم بالحجارة. قيل : ومعنى العذاب الأليم : القتل ، وقيل : الشتم ، وقيل : هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص وهذا هو الظاهر. ثم أجاب عليهم الرسل دفعا لما زعموه من التطير بهم (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي : شأمكم معكم من جهة أنفسكم ، لازم في أعناقكم ، وليس هو من شؤمنا. قال الفراء : طائركم معكم : أي رزقكم وعملكم وبه قال قتادة. قرأ الجمهور «طائركم» اسم فاعل : أي ما طار لكم من الخير والشرّ ، وقرأ الحسن «طيركم» أي : تطيركم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ). قرأ الجمهور من السبعة وغيرهم بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية على الخلاف بينهم في التسهيل والتحقيق ، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه. وقرأ أبو جعفر وزرّ بن حبيش وابن السميقع وطلحة بهمزتين مفتوحتين. وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر والحسن «أين» بفتح الهمزة وسكون الياء على صيغة الظرف.
__________________
(١). ص : ٢٣.