في القراءات الثلاث يختصمون فأدغمت التاء في الصاد ، فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحة التاء قبلها نقلا كاملا ، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنبيها على أن الخاء أصلها السكون ، والباقون حذفوا حركتها ، فالتقى ساكنان فكسروا أوّلهما. وروي عن أبي عمرو ، وقالون أنهما قرءا بتسكين الخاء وتشديد الصاد وهي مشكلة لاجتماع ساكنين فيها. وقرأ أبيّ «يختصمون» على ما هو الأصل (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي : لا يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما له وما عليه ، أو لا يستطيع أن يوصيه بالتوبة والإقلاع عن المعاصي ، بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أي : إلى منازلهم التي ماتوا خارجين عنها ، وقيل المعنى : لا يرجعون إلى أهلهم قولا ، وهذا إخبار عما ينزل بهم عند النفخة الأولى. ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية فقال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وهي النفخة التي يبعثون بها من قبورهم ، ولهذا قال : (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) أي : القبور (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) أي : يسرعون ، وبين النفختين : أربعون سنة. وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي حيث قال : (وَنُفِخَ) تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان ، وجعلوا هذه الآية مثالا له ، والصور بإسكان الواو ، هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل كما وردت بذلك السنة ، وإطلاق هذا الاسم على القرن معروف في لغة العرب ، ومنه قول الشاعر :
نحن نطحناهم غداة الغورين |
|
بالضّابحات في غبار النّقعين |
نطحا شديدا لا كنطح الصّورين.
أي : القرنين. وقد مضى هذا مستوفى في سورة الأنعام. وقال قتادة : الصور : جمع صورة ، أي : نفخ في الصور الأرواح ، والأجداث : جمع جدث ، وهو القبر. وقرئ «الأجداف» وهي لغة ، واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة. والنسل ، والنسلان : الإسراع في السير ، يقال : نسل ينسل ، كضرب يضرب ، ويقال ينسل بالضم ، ومنه : قول امرئ القيس :
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسلي
وقول الآخر :
عسلان الذّئب أمسى قاربا |
|
برد اللّيل عليه فنسل |
قالوا : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أي : قالوا عند بعثهم من القبور بالنفخة يا ويلنا : نادوا ويلهم ، كأنهم قالوا له احضر فهذا أوان حضورك ، وهؤلاء القائلون هم الكفار. قال ابن الأنباري : الوقف على يا ويلنا وقف حسن. ثم يبتدئ الكلام بقوله : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول ، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياما. قرأ الجمهور : (يا وَيْلَنا) وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا» بزيادة التاء. وقرأ الجمهور (مَنْ بَعَثَنا) بفتح ميم من على الاستفهام ، وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جرّ ، ورويت هذه القراءة عن عليّ بن أبي طالب. وعلى هذه القراءة تكون من متعلقة بالويل ، وقرأ الجمهور : (مَنْ بَعَثَنا). وفي قراءة أبيّ «من أهبّنا» من هبّ من نومه : إذا انتبه ،