يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوا فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها؟ وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم ، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم ، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح أخذت بأركان البيت فألقته عليهم ، فلو رأيتهم حين اختلطت دماءهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم؟ فقال له أيوب : فأين كنت؟ قال : كنت معهم ، قال : فكيف انفلتّ؟ قال انفلت ، قال أيوب أنت الشيطان ؛ ثم قال أيوب أنا اليوم كيوم ولدتني أمي ، فقام فحلق رأسه وقام يصلي ، فرنّ إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض ، ثم عرج إلى السماء فقال : أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك ، قال : قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه ، فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدمه إلى قرنه ، فصار قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه ، فكانت امرأته تسعى عليه ، حتى قالت له : ألا ترى يا أيوب قد نزل والله بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله أن يشفيك ويريحك قال : ويحك كنا في النعم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاما ، فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل يوما فدعا بيده ، ثم قال قم ، فقام فنحاه عن مكانه وقال : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله فنبعت عين ، فقال اغتسل ، فاغتسل منها ، ثم جاء أيضا فقال : اركض برجلك فنبعت عين أخرى فقال له اشرب منها ، وهو قوله : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب قد ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك أنا أيوب قد ردّ الله عليّ جسدي. ورد عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم ، وأمطر عليه جرادا من ذهب ، فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه وينشر كساءه ويأخذه فيجعل فيه ، فأوحى الله إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال : يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك.
وفي هذا نكارة شديدة ، فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبي من أنبيائه ويسلط عليه هذا التسليط العظيم. وأخرج أحمد في الزهد ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس قال : إن إبليس قعد على الطريق وأخذ تابوتا يداوي الناس ، فقالت امرأة أيوب : يا عبد الله إن هاهنا مبتلى من أمره كذا وكذا فهل لك أن تداويه قال : نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غيره. فأتت أيوب فذكرت له ذلك ، فقال : ويحك ذاك الشيطان ، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة ، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضربها به ، فأخذ عذقا فيه شمراخ فضربها ضربة واحدة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه في قوله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) قال : هو الأسل. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال : الضغث القبضة من المرعى الرطب. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الضغث : الحزمة. وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن عساكر من طريق أبي أمامة ابن سهل بن حنيف