يقال عدن بالمكان : إذا أقام فيه ، وقيل : هو اسم لقصر في الجنة ، وقرئ برفع جنات على أنها مبتدأ. وخبرها مفتحة ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي جنات عدن ، وقوله : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) حال من جنات ، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل ، والأبواب : مرتفعة باسم المفعول ، كقوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) والرّابط بين الحال وصاحبها ضمير مقدر ، أي : منها ، أو الألف واللام لقيامه مقام الضمير ، إذ الأصل أبوابها. وقيل : إن ارتفاع الأبواب على البدل من الضمير في مفتحة العائد على جنات ، وبه قال أبو عليّ الفارسي ، أي : مفتحة هي الأبواب. قال الفراء : المعنى مفتحة أبوابها ، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة. وقال الزجاج : المعنى مفتحة لهم الأبواب منها. قال الحسن : إن الأبواب يقال لها : انفتحي فتنفتح ، انغلقي فتنغلق ، وقيل : تفتح لهم الملائكة الأبواب ، وانتصاب (مُتَّكِئِينَ فِيها) على الحال من ضمير لهم ، والعامل فيه مفتحة ، وقيل : هو حال من (يَدْعُونَ) قدّمت على العامل (فِيها) أي يدعون في الجنات حال كونهم متكئين فيها (بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أي : بألوان متنوّعة متكثرة من الفواكه (وَشَرابٍ) كثير ، فحذف كثيرا لدلالة الأوّل عليه ، وعلى جعل (مُتَّكِئِينَ) حالا من ضمير لهم ، والعامل فيه مفتحة ، فتكون جملة (يَدْعُونَ) مستأنفة لبيان حالهم. وقيل إن يدعون في محل نصب على الحال من ضمير متكئين (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ) أي : قاصرات طرفهنّ على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، وقد مضى بيانه في سورة الصافات. والأتراب : المتحدات في السنّ ، أو المتساويات في الحسن. وقال مجاهد : معنى أتراب أنهنّ متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن. وقيل : أترابا للأزواج. والأتراب : جمع ترب ، واشتقاقه من التراب لأنه يمسهنّ في وقت واحد لاتحاد مولدهنّ (هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) أي : هذا الجزاء الذي وعدتم به لأجل يوم الحساب ، فإن الحساب علة للوصول إلى الجزاء ، أو المعنى : في يوم الحساب. قرأ الجمهور (ما تُوعَدُونَ) بالفوقية على الخطاب. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن محيصن ، ويعقوب بالتحتية على الخبر ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم لقوله : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) فإنه خبر. (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا) أي : إن هذا المذكور من النعم والكرامات لرزقنا الذي أنعمنا به عليكم (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أي انقطاع ولا يفنى أبدا ، ومثله قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١) فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها.
وقد أخرج أحمد في الزهد ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس قال : إن الشيطان عرج إلى السماء ، فقال : يا رب سلطني على أيوب ، قال الله : لقد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده ، فنزل فجمع جنوده ، فقال لهم : قد سلطت على أيوب فأروني سلطانكم ، فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء ، فبيناهم في المشرق إذا هم بالمغرب ، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق. فأرسل طائفة منهم إلى زرعه ، وطائفة إلى أهله ، وطائفة إلى بقره ، وطائفة إلى غنمه وقال : إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف ، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض ، فجاء صاحب الزرع فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقته؟ ثم جاء صاحب الإبل ، فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوا فذهب بها ، ثم جاء صاحب البقر فقال :
__________________
(١). هود : ١٠٨.