دين آبائك. قرأ الجمهور «تأمرونّي» بإدغام نون الرفع في نون الوقاية على خلاف بينهم في فتح الياء وتسكينها. وقرأ نافع «تأمروني» بنون خفيفة وفتح الياء ، وقرأ ابن عامر «تأمرونني» بالفك وسكون الياء (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) أي : من الرسل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل ، لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك ، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير ، والإنذار للعباد من الشرك ، لأنه إذا كان موجبا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض ، والتقدير : فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى. قيل : وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : ولقد أوحي إليك لئن أشركت وأوحي إلى الذين من قبلك كذلك. قال مقاتل : أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف ، قال : لئن أشركت يا محمد ليحبطن عملك ، وهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة. وقيل إفراد الخطاب في قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) باعتبار كل واحد من الأنبياء ، كأنه قيل أوحي إليك وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام ، وهو لئن أشركت ، وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (١) وقيل : هذا خاص بالأنبياء لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم ، والأوّل أولى ، ثم أمر الله سبحانه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتوحيده ، فقال : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) وفي هذا ردّ على المشركين حيث أمروه بعبادة الأصنام ، ووجه الردّ ما يفيده التقديم من القصر. قال الزجاج : لفظ اسم الله منصوب باعبد قال : ولا اختلاف في هذا بين البصريين والكوفيين. قال الفراء : هو منصوب بإضمار فعل ، وروي مثله عن الكسائي ، والأوّل أولى. قال الزجاج : والفاء في فاعبد للمجازاة. وقال الأخفش : زائدة. قال عطاء ومقاتل معنى فاعبد : وحد ، لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد والدعاء إلى دينه واختصك به من الرسالة (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) قال المبرد : أي عظموه حق عظمته ، من قولك فلان عظيم القدر ، وإنما وصفهم بهذا لأنهم عبدوا غير الله وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك. وقرأ الحسن ، وأبو حيوة ، وعيسى بن عمر قدّروا بالتشديد (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك ، فأخبر سبحانه عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها وكثافتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون : هو في يد فلان وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرّف فيه وإن لم يقبض عليه ، وكذا قوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فإن ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه ، واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك. قال الأخفش بيمينه يقول في قدرته ، نحو قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٢) أي : ما كانت لكم قدرة عليه ، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد ، ومنه قوله سبحانه : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٣) أي : بالقوّة والقدرة ، ومنه قول الشاعر :
إذا ما راية نصبت لمجد |
|
تلقّاها عرابة باليمين |
__________________
(١). البقرة : ٢١٧.
(٢). النساء : ٣.
(٣). الحاقة : ٤٥.