ليخرجكم مناسبة لها ، والتقدير : لتكبروا شيئا فشيئا ، ثم لتبلغوا غاية الكمال ، وقوله : (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) معطوف على لتبلغوا ، قرأ نافع ، وحفص ، وأبو عمرو ، وابن محيصن ، وهشام «شيوخا» بضم الشين ، وقرأ الباقون بكسرها ، وقريء وشيخا على الإفراد لقوله طفلا ، والشيخ من جاوز أربعين سنة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل الشيخوخة (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) أي : وقت الموت أو يوم القيامة ، واللام هي لام العاقبة (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي : لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته البالغة في خلقكم على هذه الأطوار المختلفة (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : يقدر على الإحياء والإماتة (فَإِذا قَضى أَمْراً) من الأمور التي يريدها (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) من غير توقف ، وهو تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات عند تعلق إرادته بها ، وقد تقدّم تحقيق معناه في البقرة وفيما بعدها. ثم عجب سبحانه من أحوال المجادلين في آيات الله فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) وقد سبق بيان معنى المجادلة (أَنَّى يُصْرَفُونَ) أي : كيف يصرفون عنها مع قيام الأدلة الدالة على صحتها ، وأنها في أنفسها موجبة للتوحيد. قال ابن زيد : هم المشركون بدليل قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) قال القرطبي : وقال أكثر المفسرين نزلت في القدرية. قال ابن سيرين : إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت ، ويجاب عن هذا بأن الله سبحانه قد وصف هؤلاء بصفة تدلّ على غير ما قالوه ، فقال : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) أي : بالقرآن ، وهذا وصف لا يصحّ أن يطلق على فرقة من فرق الإسلام ، والموصول إما في محل جرّ على أنه نعت للموصول الأوّل ، أو بدل منه ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الذمّ ، والمراد بالكتاب : إما القرآن ، أو : جنس الكتب المنزلة من عند الله ، وقوله : (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) معطوف على قوله بالكتاب ، ويراد به ما يوحى إلى الرسل من غير كتاب إن كانت اللام في الكتاب للجنس ، أو سائر الكتب إن كان المراد بالكتاب : القرآن (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة أمرهم ، ووبال كفرهم ، وفي هذا وعيد شديد ، والظرف في قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) متعلق بيعلمون ، أي : فسوف يعلمون وقت كون الأغلال في أعناقهم (وَالسَّلاسِلُ) معطوف على الأغلال ، والتقدير : إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم ، ويجوز أن يرتفع السلاسل : على أنه مبتدأ ، وخبره : محذوف لدلالة في أعناقهم عليه ، ويجوز أن يكون خبره : (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ) بحذف العائد ، أي : يسحبون بها في الحميم ، وهذا على قراءة الجمهور برفع السلاسل ، وقرأ ابن عباس ، وابن مسعود ، وعكرمة ، وأبو الجوزاء بنصبها ، وقرءوا «يسحبون» بفتح الياء مبنيا للفاعل ، فتكون السلاسل مفعولا مقدّما ، وقرأ بعضهم بجرّ السلاسل. قال الفراء : وهذه القراءة محمولة على المعنى ، إذ المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل. وقال الزجاج : المعنى على هذه القراءة : وفي السلاسل يسحبون ، واعترضه ابن الأنباري بأن ذلك لا يجوز في العربية ، ومحل يسحبون على تقدير عطف السلاسل على الأغلال ، وعلى تقدير كونها : مبتدأ ، وخبرها : في أعناقهم النصب على الحال ، أو لا محل له ، بل هو مستأنف جواب سؤال مقدّر ، والحميم : هو المتناهي في الحرّ ، وقيل : الصديد وقد تقدّم تفسيره (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) يقال سجرت التنور : أي أوقدته ، وسجرته : ملأته بالوقود ، ومنه (وَالْبَحْرِ