المراد بقوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) على أقوال : الأوّل أنها منسوخة ، قاله سعيد بن المسيب. وقال سعيد بن جبير : إن الأمر فيها للندب لا للوجوب. وقيل : كان ذلك واجبا حيث كانوا لا أبواب لهم ولو عاد الحال لعاد الوجوب ، حكاه المهدوي عن ابن عباس. وقيل : إن الأمر هاهنا للوجوب ، وإن الآية محكمة غير منسوخة ، وأن حكمها ثابت على الرجال والنساء ؛ قال القرطبي : وهو قول أكثر أهل العلم. وقال أبو عبد الرحمن السلمي : إنها خاصة بالنساء. وقال ابن عمر : هي خاصة بالرجال دون النساء. والمراد بقوله : (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) العبيد والإماء ، والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان منكم ، أي : من الأحرار ، ومعنى (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ثلاثة أوقات في اليوم والليلة ، وعبر بالمرات عن الأوقات ، وانتصاب ثلاث مرات على الظرفية الزمانية ، أي : ثلاثة أوقات ، ثم فسر تلك الأوقات بقوله : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) إلخ ، أو منصوب على المصدرية ، أي : ثلاث استئذانات ؛ ورجح هذا أبو حيان فقال : والظاهر من قوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ثلاث استئذانات ، لأنك إذا قلت ضربتك ثلاث مرات لا يفهم منه إلا ثلاث ضربات. ويردّ بأن الظاهر هنا متروك للقرينة المذكورة ، وهو التفسير بالثلاثة الأوقات. وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية الحلم بسكون اللام ، وقرأ الباقون بضمها. قال الأخفش : الحلم من حلم الرجل بفتح اللام ، ومن الحلم حلم بضم اللام يحلم بكسر اللام ، ثم فسر سبحانه الثلاث المرات فقال : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) وذلك لأنه وقت القيام عن المضاجع ، وطرح ثياب النوم ، ولبس ثياب اليقظة ، وربما يبيت عريانا ، أو على حال لا يحبّ أن يراه غيره فيها ، ومحله النصب على أنه بدل من ثلاث ، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي من قبل ، وقوله : (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) معطوف على محل (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) و (مِنْ) في (مِنَ الظَّهِيرَةِ) للبيان ، أو بمعنى في ، أو بمعنى اللام. والمعنى : حين تضعون ثيابكم التي تلبسونها في النهار من شدة حرّ الظهيرة ، وذلك عند انتصاف النهار ، فإنهم قد يتجرّدون من الثياب لأجل القيلولة. ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث فقال : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) وذلك لأنه وقت التجرد عن الثياب والخلوة بالأهل ، ثم أجمل سبحانه هذه الأوقات بعد التفصيل فقال : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) قرأ الجمهور (ثَلاثُ عَوْراتٍ) برفع ثلاث ، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بالنصب على البدل من ثلاث مرات. قال ابن عطية : إنما يصح البدل بتقدير أوقات ثلاث عورات ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ويحتمل أنه جعل نفس ثلاث مرات نفس ثلاث عورات مبالغة ؛ ويجوز أن يكون ثلاث عورات بدلا من الأوقات المذكورة ، أي : من قبل صلاة الفجر إلخ ؛ ويجوز أن تكون منصوبة بإضمار فعل ، أي : أعني ونحوه ، وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هنّ ثلاث. قال أبو حاتم : النصب ضعيف مردود. وقال الفراء : الرفع أحبّ إليّ ، قال : وإنما اخترت الرفع لأن المعنى هذه الخصال ثلاث عورات. وقال الكسائي : إن ثلاث عورات مرتفعة بالابتداء والخبر ما بعدها. قال : والعورات الساعات التي تكون فيها العورة. قال الزجاج : المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وعورات جمع عورة ، والعورة : في الأصل الخلل ، ثم غلب في الخلل الواقع فيما يهمّ حفظه ويتعين ستره ،