أي : هي ثلاث أوقات يختلّ فيها الستر. وقرأ الأعمش «عورات» بفتح الواو ، وهي لغة هذيل وتميم فإنهم يفتحون عين فعلات سواء كان واوا أو ياء ، ومنه :
أخو بيضات رائح متأوّب |
|
رفيق بمسح المنكبين سبوح |
وقوله :
أبو بيضات رائح أو مبعد |
|
عجلان ذا زاد وغير مزوّد |
و «لكم» متعلق بمحذوف هو صفة لثلاث عورات ؛ أي : كائنة لكم ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان علة وجوب الاستئذان (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) أي : ليس على المماليك ولا على الصبيان جناح ، أي : إثم في الدخول بغير استئذان لعدم ما يوجبه من مخالفة الأمر ، والاطلاع على العورات. ومعنى بعدهنّ : بعد كل واحدة من هذه العورات الثلاث ، وهي : الأوقات المتخللة بين كلّ اثنين منها ، وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة ، ويجوز أن تكون في محل رفع صفة لثلاث عورات على قراءة الرفع فيها. قال أبو البقاء (بَعْدَهُنَ) أي : بعد استئذانهم فيهنّ ، ثم حذف حرف الجرّ والمجرور فبقي بعد استئذانهم ، ثم حذف المصدر وهو الاستئذان ، والضمير المتصل به. وردّ بأنه لا حاجة إلى هذا التقدير الذي ذكره ، بل المعنى : ليس عليكم جناح ولا عليهم ، أي : العبيد والإماء والصبيان جناح في عدم الاستئذان بعد هذه الأوقات المذكورة ، وارتفاع (طَوَّافُونَ) على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم طوّافون عليكم ، والجملة مستأنفة مبينة للعذر المرخص في ترك الاستئذان. قال الفراء : هذا كقولك في الكلام هم خدمكم وطوّافون عليكم ، وأجاز أيضا نصب طوّافين لأنه نكرة ، والمضمر في (عَلَيْكُمْ) معرفة ولا يجيز البصريون أن تكون حالا من المضمرين اللذين في عليكم وفي بعضكم لاختلاف العاملين. ومعنى طوّافون عليكم ، أي : يطوفون عليكم ، ومنه الحديث في الهرّة «إنّما هي من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات» أي : هم خدمكم فلا بأس أن يدخلوا عليكم في غير هذه الأوقات بغير إذن ، ومعنى (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) بعضكم يطوف أو طائف على بعض ، وهذه الجملة بدل مما قبلها أو مؤكدة لها. والمعنى أن كلا منكم يطوف على صاحبه ، العبيد على الموالي ، والموالي على العبيد ، ومنه قول الشاعر :
ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه |
|
ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا |
وقرأ ابن أبي عبلة «طوّافين» بالنصب على الحال كما تقدم عن الفراء ، وإنما أباح سبحانه الدخول في غير تلك الأوقات الثلاثة بغير استئذان ؛ لأنها كانت العادة أنهم لا يكشفون عوراتهم في غيرها ، والإشارة بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) إلى مصدر الفعل الذي بعده ، كما في سائر المواضع في الكتاب العزيز ، أي : مثل ذلك التبيين يبين الله لكم الآيات الدالة على ما شرعه لكم من الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) كثير العلم بالمعلومات ، وكثير الحكمة في أفعاله (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) بين سبحانه هاهنا حكم الأطفال الأحرار إذا بلغوا الحلم بعد ما بين فيما مرّ حكم الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ، في أنه لا جناح عليهم