لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))
قوله : (حم عسق) قد تقدّم الكلام في أمثال هذه الفواتح ، وسئل الحسن بن الفضل لم قطع (حم عسق) ، ولم يقطع كهيعص فقال : لأنها سور أوّلها حم فجرت مجرى نظائرها ، فكأن حم مبتدأ وعسق خبره ، ولأنهما عدا آيتين ، وأخواتهما مثل : (كهيعص) و (المر) و (المص) آية واحدة. وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير ، واختلفوا في حم فقيل معناها حم : أي قضى كما تقدّم. وقيل : إن ح حلمه وم مجده ، وع علمه ، وس سناه ، وق قدرته ، أقسم الله بها. وقيل غير ذلك مما هو متكلف متعسف لم يدلّ عليه دليل ولا جاءت به حجة ولا شبهة حجة ، وقد ذكرنا قبل هذا ما روي في ذلك مما لا أصل له ، والحق ما قدّمناه لك في فاتحة سورة البقرة. وقيل : هما اسمان للسورة ، وقيل : اسم واحد لها ، فعلى الأوّل يكونان خبرين لمبتدأ محذوف ، وعلى الثاني يكون خبرا لذلك المبتدأ المحذوف. وقرأ ابن مسعود وابن عباس (حم عسق كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هذا كلام مستأنف غير متعلق بما قبله ، أي : مثل ذلك الإيحاء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة عليهم المشتملة على الدعوة إلى التوحيد والبعث يوحى إليك يا محمد في هذه السورة. وقيل : إن حم عسق أو حيت إلى من قبله من الأنبياء ، فتكون الإشارة بقوله : (كَذلِكَ) إليها. قرأ الجمهور (يُوحِي) بكسر الحاء مبنيا للفاعل وهو الله. وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن بفتحها مبنيا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ضمير مستتر يعود على كذلك ، والتقدير : مثل ذلك الإيحاء هو إليك ، أو القائم مقام الفاعل : إليك ، أو الجملة المذكورة ، أي : يوحى إليك هذا اللفظ أو القرآن أو مصدر يوحي ، وارتفاع الاسم الشريف على أنه فاعل لفعل محذوف كأنه قيل من يوحي؟ فقيل : الله العزيز الحكيم. وأما قراءة الجمهور فهي واضحة اللفظة والمعنى ، وقد تقدّم مثل هذا في قوله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) (١) وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان «نوحي» بالنون فيكون قوله : (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في محلّ نصب ، والمعنى : نوحي إليك هذا اللفظ (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ذكر سبحانه لنفسه هذا الوصف وهو ملك جميع ما في السموات والأرض لدلالته على كمال قدرته ونفوذ تصرّفه في جميع مخلوقاته (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) قرأ الجمهور (تَكادُ) بالفوقية ، وكذلك «تتفطّرن» قرءوه بالفوقية
__________________
(١). النور : ٣٦ و ٣٧.