لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) قال الضحاك : أهل دين واحد ، إما على هدى وإما على ضلالة ، ولكنهم افترقوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية ، وهو معنى قوله : (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) في الدين الحق : وهو الإسلام (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي : المشركون ما لهم من وليّ يدفع عنهم العذاب ، ولا نصير ينصرهم في ذلك المقام ، ومثل هذا قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (١) وقوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٢) وهاهنا مخاصمات بين المتمذهبين المحامين على ما درج عليه أسلافهم فدبوا عليه من بعدهم وليس بنا إلى ذكر شيء من ذلك فائدة كما هو عادتنا في تفسيرنا هذا فهو تفسير سلفي يمشي مع الحق ويدور مع مدلولات النظم الشريف ، وإنما يعرف ذلك من رسخ قدمه ، وتبرأ من التعصب قلبه ولحمه ودمه ، وجملة : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) مستأنفة مقرّرة لما قبلها من انتفاء كون للظالمين وليا ونصيرا ، وأم : هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل المفيدة للانتقال وبالهمزة المفيدة للإنكار ، أي : بل أتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام يعبدونها؟ (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) أي : هو الحقيق بأن يتخذوه وليا ، فإنه الخالق الرازق الضار النافع. وقيل الفاء جواب شرط محذوف ، أي : إن أرادوا أن يتخذوا وليا في الحقيقة فالله هو الوليّ (وَهُوَ) أي : ومن شأنه أنه (يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : يقدر على كل مقدور ، فهو الحقيق بتخصيصه بالألوهية وإفراده بالعبادة (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) هذا عام في كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين ، فإن حكمه ومرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة بحكمه ويفصل خصومة المختصمين فيه ، وعند ذلك يظهر المحقّ من المبطل ، ويتميز فريق الجنة وفريق النار. قال الكلبي. وما اختلفتم فيه من شيء : أي من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضي فيه. وقال مقاتل : إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن ، وآمن به بعضهم فنزلت ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويمكن أن يقال : معنى حكمه إلى الله : أنه مردود إلى كتابه ، فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه فتكون الآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين أنه يردّ إلى كتاب الله ، ومثله قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٣) وقد حكم سبحانه بأن الدين هو الإسلام ، وأن القرآن حق ، وأن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار ، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقا إلا في الدار الآخرة وعدهم الله بذلك يوم القيامة (ذلِكُمُ) الحاكم بهذا الحكم (اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اعتمدت عليه في جميع أموري ، لا على غيره وفوّضته في كلّ شؤوني (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي : أرجع في كل شيء يعرض لي لا إلى غيره (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قرأ الجمهور بالرفع : على أنه خبر آخر لذلكم ، أو : خبر مبتدأ محذوف. أو : مبتدأ ، وخبره ما بعده : أو : نعت لربي لأن الإضافة محضة ، ويكون (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) معترضا بين الصفة والموصوف. وقرأ زيد بن عليّ (فاطِرُ) بالجرّ على أنه نعت للاسم الشريف في قوله : (إِلَى اللهِ) وما بينهما اعتراض ، أو بدل من الهاء في عليه ، أو إليه ، وأجاز الكسائي النصب على النداء ، وأجازه غيره على المدح. والفاطر : الخالق المبدع ، وقد تقدّم تحقيقه (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي : خلق لكم من جنسكم نساء ،
__________________
(١). الأنعام : ٣٥.
(٢). السجدة : ١٣.
(٣). النساء : ٥٩.