فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض. وقال قتادة والضحاك : ليملك بعضهم بعضا ، وقيل : هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء ، وهذا وإن كان مطابقا للمعنى اللغوي ، ولكنه بعيد من معنى القرآن ، ومناف لما هو مقصود السياق (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يعني بالرحمة : ما أعدّه الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة ، وقيل : هي النبوّة لأنها المراد بالرحمة المتقدّمة في قوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ولا مانع من أن يراد كلّ ما يطلق عليه اسم الرحمة إما شمولا ، أو بدلا ، ومعنى (مِمَّا يَجْمَعُونَ) ما يجمعونه من الأموال وسائر متاع الدنيا. ثم بين سبحانه حقارة الدنيا عنده فقال : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي : لو لا أن يجتمعوا على الكفر ميلا إلى الدنيا وزخرفها (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) جمع الضمير في بيوتهم وأفرده في يكفر باعتبار معنى من ولفظها ، ولبيوتهم بدل اشتمال من الموصول والسقف جمع سقف. قرأ الجمهور بضمّ السين والقاف كرهن ورهن. قال أبو عبيدة : ولا ثالث لهما. وقال الفراء : هو جمع سقيف نحو كثيب وكثب ، ورغيف ورغف ، وقيل : هو جمع سقوف ، فيكون جمعا للجمع.
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد ومعناه الجمع لكونه للجنس. قال الحسن : معنى الآية : لو لا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله ، وقال بهذا أكثر المفسرين. وقال ابن زيد : لو لا أن يكون الناس أمة واحدة في طلب الدنيا واختيارهم لها على الآخرة. وقال الكسائي : المعنى لو لا أن يكون في الكفار غنيّ وفقير ، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) المعارج : الدرج جمع معراج ، والمعراج السلم. قال الأخفش : إن شئت جعلت الواحدة معرج ومعرج ، مثل : مرقاة ومرقاة ، والمعنى : فجعلنا لهم معارج من فضة عليها يظهرون : أي : على المعارج يرتقون ويصعدون ، يقال ظهرت على البيت : أي علوت سطحه ، ومنه قول النابغة :
بلغنا السّماء مجدا وفخرا وسؤددا |
|
وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
أي مصعدا (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) أي : وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة وسررا من فضة (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ) أي : على السرر وهو جمع سرير ، وقيل : جمع أسرة فيكون جمعا للجمع ، والاتكاء والتوكؤ : التحامل على الشيء ، ومنه (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) (١) واتكأ على الشيء فهو متكئ ، والموضع متكأ ، والزخرف : الذهب. وقيل : الزينة أعمّ من أن تكون ذهبا أو غيره. قال ابن زيد : هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث. وقال الحسن : النقوش وأصله الزينة ، يقال : زخرفت الدار ، أي : زينتها ، (وَ) انتصاب (زُخْرُفاً) بفعل مقدّر ، أي : وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا ، أو بنزع الخافض ، أي : أبوابا وسررا من فضة ومن ذهب ، فلما حذف الخافض انتصب. ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) قرأ الجمهور (لَمَّا) بالتخفيف وقرأ عاصم وحمزة وهاشم عن ابن عامر بالتشديد. فعلى القراءة الأولى تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، وعلى القراءة الثانية هي النافية. ولما
__________________
(١). طه : ١٨.