والشياطين الحظ الأوفر منه. وقيل : إنها لنفي النفع ، أي : لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا ، ويقوّي هذا المعنى قراءة ابن عامر على اختلاف عليه فيها بكسر إن. ثم ذكر سبحانه أنها لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة فقال : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) الهمزة لإنكار التعجب ، أي : ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا ، وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وإخبار له أنه لا يقدر على ذلك إلا الله عزوجل ، وقوله : (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) عطف على العمى ، أي : إنك لا تهدي من كان كذلك ، ومعنى الآية : أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصمّ الذين لا يعقلون ما جئت به ، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه لإفراطهم في الضلالة وتمكنهم من الجهالة (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) إما في الدنيا أو في الآخرة ، وقيل المعنى : نخرجنك من مكة (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) من العذاب قبل موتك (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) متى شئنا عذبناهم. قال كثير من المفسرين : قد أراه الله ذلك يوم بدر. وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبي صلىاللهعليهوسلم من الفتن ، وقد كان بعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم فتنة شديدة ، فأكرم الله نبيه صلىاللهعليهوسلم وذهب به فلم يره في أمته شيئا من ذلك ، والأوّل أولى (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) أي : من القرآن وإن كذّب به من كذّب (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : طريق واضح ، والجملة تعليل لقوله : (فَاسْتَمْسِكْ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي : وإن القرآن لشرف لك ولقومك من قريش إذ نزل عليك وأنت منهم بلغتك ولغتهم ومثله قوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) (١) وقيل : بيان لك ولأمتك فيما لكم إليه حاجة. وقيل : تذكرة تذكرون بها أمر الدين وتعملون به (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) عما جعله الله لكم من الشرف ، كذا قال الزجاج والكلبي وغيرهما. وقيل : يسئلون عما يلزمهم من القيام بما فيه والعمل به (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) قال الزهري ، وسعيد ابن جبير ، وابن زيد : إن جبريل قال ذلك للنبيّ صلىاللهعليهوسلم لما أسري به. فالمراد سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاته لهم ، وبه قال جماعة من السلف. وقال المبرد ، والزجاج ، وجماعة من العلماء : إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا. وبه قال مجاهد ، والسدّي ، والضحاك ، وقتادة ، وعطاء ، والحسن ومعنى الآية على القولين : سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل وهل سوّغ ذلك لأحد منهم؟ والمقصود تقريع مشركي قريش بأن ما هم عليه لم يأت في شريعة من الشرائع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت : قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه ، فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله ، فأتاه وهو في القوم ، فقال أبو بكر : إلام تدعوني؟ قال : أدعوك إلى عبادة اللات والعزّى. قال أبو بكر : وما اللات؟ قال : أولاد الله. قال : وما العزّى. قال : بنات الله. قال أبو بكر : فمن أمهم؟ فسكت طلحة فلم يجبه ، فقال لأصحابه : أجيبوا الرجل ، فسكت
__________________
(١). الأنبياء : ١٠.