نَذِيراً) طلبوا أن يكون النبيّ صلىاللهعليهوسلم مصحوبا بملك يعضده ويساعده ، تنزلوا عن اقتراح أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم ملكا مستغنيا عن الأكل والكسب ، إلى اقتراح أن يكون معه ملك يصدّقه ويشهد له بالرسالة. قرأ الجمهور (فَيَكُونَ) بالنصب على كونه جواب التحضيض. وقرئ «فيكون» بالرفع على أنه معطوف على أنزل ، وجاز عطفه على الماضي لأنه المراد به المستقبل (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) معطوف على أنزل ، ولا يجوز عطفه على فيكون ، والمعنى : أو هلا يلقى إليه كنز ، تنزلوا من مرتبة نزول الملك معه إلى اقتراح أن يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ليستغنى به عن طلب الرزق (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) قرأ الجمهور (تَكُونُ) بالمثناة الفوقية ، وقرأ الأعمش وقتادة «يكون» بالتحتية ، لأن تأنيث الجنة غير حقيقي. وقرأ «نأكل» بالنون حمزة وعليّ وخلف ، وقرأ الباقون (يَأْكُلُ) بالمثناة التحتية ، أي : بستان نأكل نحن من ثماره ، أو يأكل هو وحده منه ليكون له بذلك مزية علينا حيث يكون أكله من جنته. قال النحاس : والقراءتان حسنتان وإن كانت القراءة بالياء أبين ، لأنه قد تقدّم ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، فعود الضمير إليه بين (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) المراد بالظالمون هنا : هم القائلون بالمقالات الأولى ، وإنما وضع الظاهر موضع المضمر مع الوصف بالظلم للتسجيل عليهم به ، أي : ما تتبعون إلا رجلا مغلوبا على عقله بالسحر ، وقيل : ذا سحر ، وهي الرئة ، أي : بشرا له رئة لا ملكا ، وقد تقدّم بيان مثل هذا في سبحان (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) ليتوصلوا بها إلى تكذيبك ، والأمثال : هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة ، وهي ما ذكروه هاهنا (فَضَلُّوا) عن الصواب فلا يجدون طريقا إليه ، ولا وصلوا إلى شيء منه ، بل جاءوا بهذه المقالات التي لا تصدر عن أدنى العقلاء وأقلهم تمييزا ، ولهذا قال : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أي : لا يجدون إلى القدح في نبوّة هذا النبيّ طريقا من الطرق (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي : تكاثر خير الذي إن شاء جعل لك في الدنيا معجلا خيرا من ذلك الذي اقترحوه. ثم فسر الخير فقال : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فجنات بدل من خيرا (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) معطوف على موضع جعل ، وهو الجزم ، وبالجزم قرأ الجمهور. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع (يَجْعَلْ) على أنه مستأنف ، وقد تقرّر في علم الإعراب أن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع فجاز أن يكون جعل هاهنا في محل جزم ورفع فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع. وقرئ بالنصب. وقرئ بإدغام لام لك في لام يجعل لاجتماع المثلين. وقرئ بترك الإدغام لأن الكلمتين منفصلتان ، والقصر : البيت من الحجارة ، لأن الساكن به مقصور على أن يوصل إليه ، وقيل : هو بيت الطين وبيوت الصوف والشعر. ثم أضرب سبحانه على توبيخهم بما حكاه عنهم من الكلام الذي لا يصدر عن العقلاء فقال : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي : بل أتوا بأعجب من ذلك كله. وهو تكذيبهم بالساعة ، فلهذا لا ينتفعون بالدلائل ولا يتأملون فيها. ثم ذكر سبحانه ما أعدّه لمن كذب بالساعة فقال : (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) أي : نارا مشتعلة متسعرة ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي : بل كذبوا بالساعة ، والحال أنا أعتدنا. قال أبو مسلم : أعتدنا ، أي : جعلناه عتيدا ومعدّا لهم (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها