أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشرّكما لخيركما الفداء |
ثم قال سبحانه : (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً) أي : كانت تلك الجنة للمتقين جزاء على أعمالهم ومصيرا يصيرون إليه (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي : ما يشاءونه من النعيم ، وضروب الملاذ ، كما في قوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) (١) وانتصاب خالدين على الحال ، وقد تقدم تحقيق معنى الخلود (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) أي : كان ما يشاءونه ، وقيل : كان الخلود ، وقيل : كان الوعد المدلول عليه بقوله : وعد المتقون ، ومعنى الوعد المسؤول : الوعد المحقق بأن يسأل ويطلب كما في قوله : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (٢) وقيل : إن الملائكة تسأل لهم الجنة كقوله : (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) (٣) وقيل : المراد به الوعد الواجب وإن لم يسأل.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر ابن الحارث وأبا البختري والأسود عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله ابن أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيه بن الحجاج ومنبه بن الحجاج اجتمعوا ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه ، فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، قال : فجاءهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، وإن كنت تطلب به الشرف فنحن نسوّدك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما بي ممّا تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشّرف فيكم ولا الملك عليكم ، ولكنّ الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلّغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظّكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بيني وبينكم ؛ قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك ، أو قالوا : فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربّك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضّة تغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولا كما تزعم ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربّه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكنّ الله بعثني بشيرا ونذيرا ، فأنزل الله في ذلك (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ). (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي : جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال : قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن شئت أعطيناك من خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبيّ قبلك ، ولا نعطها أحدا بعدك ، ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئا ، وإن شئت
__________________
(١). فصلت : ٣١.
(٢). آل عمران : ١٩٤.
(٣). غافر : ٨.