قوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) الظرف منصوب بفعل مضمر ، أي : واذكر ، وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر ما فيه للمبالغة والتأكيد كما مرّ مرارا. قرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمرو في رواية الدوريّ «يحشرهم» بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله في أوّل الكلام (كانَ عَلى رَبِّكَ) والباقون بالنون على التعظيم ما عدا الأعرج فإنه قرأ «نحشرهم» بكسر الشين في جميع القرآن. قال ابن عطية : هي قليلة في الاستعمال قوية في القياس ، لأن يفعل بكسر العين في المتعدى أقيس من يفعل بضمها ، وردّه أبو حيان باستواء المضموم والمكسور إلا أن يشتهر أحدهما ؛ اتّبع (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) معطوف على مفعول نحشر ، وغلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيها على أنها جميعا مشتركة في كونها غير صالحة لكونها آلهة ، أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها ، فغلبت اعتبارا بكثرة من يعبدها ، وقال مجاهد وابن جريج : المراد الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير ، بدليل خطابهم ، وجوابهم فيما بعد. وقال الضحاك وعكرمة والكلبي : المراد الأصنام خاصة ، وإنها وإن كانت لا تسمع ولا تتكلم فإن الله سبحانه يجعلها يوم القيامة سامعة ناطقة ، (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) قرأ ابن عامر وأبو حيوة وابن كثير وحفص «فنقول» بالنون ، وقرأ الباقون بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد كما اختار القراءة بها في نحشرهم ، وكذا أبو حاتم. والاستفهام في قوله : أأنتم أضللتم للتوبيخ والتقريع. والمعنى : أكان ضلالهم بسببكم ، وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم ، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب وجملة (قالُوا سُبْحانَكَ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، ومعنى سبحانك : التعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة أو أنبياء معصومين ، أو جمادات لا تعقل ، أي : تنزيها لك (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) أي : ما صح ولا استقام لنا أن نتخذ من دونك أولياء فنعبدهم ، فكيف ندعو عبادك إلى عبادتنا نحن مع كوننا لا نعبد غيرك ، والوليّ يطلق على التابع كما يطلق على المتبوع ، هذا معنى الآية على قراءة الجمهور نتخذ مبنيا للفاعل. وقرأ الحسن وأبو جعفر «نتخذ» مبنيا للمفعول ، أي : ما كان ينبغي لنا أن يتخذنا المشركون أولياء من دونك. قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر : لا تجوز هذه القراءة ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية. قال أبو عبيدة : لا تجوز هذه القراءة لأن الله سبحانه ذكر «من» مرتين ، ولو كان كما قرأ لقال : أن نتخذ من دونك أولياء. وقيل : إن «من» الثانية زائدة. ثم حكى عنهم سبحانه بأنهم بعد هذا الجواب ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان فقال : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) وفي هذا ما يدل على أنهم هم الذين ضلوا السبيل ، ولم يضلهم غيرهم ، والمعنى : ما أضللناهم ، ولكنك يا رب متعتهم ومتعت آباءهم بالنعم ، ووسعت عليهم الرزق ، وأطلت لهم العمر حتى غفلوا عن ذكرك ، ونسوا موعظتك ، والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك ، وغرائب مخلوقاتك. وقرأ أبو عيسى الأسود القارئ «ينبغي» مبنيا للمفعول. قال ابن خالويه : زعم سيبويه أنها لغة. وقيل : المراد بنسيان الذكر هنا هو ترك الشكر (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أي : وكان هؤلاء الذين أشركوا بك وعبدوا غيرك