في قضائك الأزليّ قوما بورا ، أي : هلكى ، مأخوذ من البوار وهو الهلاك ؛ يقال : رجل بائر وقوم بور ، يستوي فيه الواحد والجماعة لأنه مصدر يطلق على القليل والكثير ويجوز أن يكون جمع بائر. وقيل : البوار : الفساد. يقال : بارت بضاعته ، أي : فسدت ، وأمر بائر ، أي : فاسد وهي لغة الأزد. وقيل : المعنى : لا خير فيهم ، مأخوذ من بور الأرض وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير ، وقيل : إن البوار الكساد ، ومنه بارت السلعة إذا كسدت (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) في الكلام حذف ، والتقدير : فقال الله عند تبري المعبودين مخاطبا للمشركين العابدين لغير الله فقد كذبوكم ، أي : فقد كذبكم المعبودون بما تقولون ، أي : في قولكم إنهم آلهة (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أي : الآلهة (صَرْفاً) أي : دفعا للعذاب عنكم بوجه من الوجوه ، وقيل : حيلة (وَلا نَصْراً) أي : ولا يستطيعون نصركم ، وقيل : المعنى فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون صرفا للعذاب الذي عذبهم الله به ولا نصرا من الله ، وهذا الوجه مستقيم على قراءة من قرأ «تستطيعون» بالفوقية وهي قراءة حفص ، وقرأ الباقون بالتحتية. وقال ابن زيد : المعنى : فقد كذبوكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعلى هذا فمعنى بما تقولون : ما تقولون : ما تقولونه من الحق. وقال أبو عبيد : المعنى فما يستطيعون لكم صرفا عن الحق الذي هداكم إليه ، ولا نصرا لأنفسهم بما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم. وقرأ الجمهور «بما تقولون» بالتاء الفوقية على الخطاب. وحكى الفراء أنه يجوز أن يقرأ «فقد كذبوكم» مخففا بما يقولون ، أي : كذبوكم في قولهم وكذا قرأ بالياء التحتية مجاهد والبزي (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) هذا وعيد لكل ظالم ويدخل تحته الذي فيهم السياق دخولا أوليا ، والعذاب الكبير عذاب النار ، وقرئ «يذقه» بالتحتية ، وهذه الآية وأمثالها مقيدة بعدم التوبة. ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله موضحا لبطلان ما تقدّم من قوله : يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فقال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) قال الزجاج : الجملة الواقعة بعد إلا صفة لموصوف محذوف ، والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين ، وإنما حذف الموصوف لأن في قوله من المرسلين دليلا عليه ، نظيره ـ وما منا إلا له مقام معلوم ـ أي : وما منا أحد. وقال الفراء : لا محل لها من الإعراب ، وإنما هي صلة لموصول محذوف هو المفعول ، والتقدير : إلا من أنهم فالضمير في أنهم وما بعده راجع إلى من المقدّرة ، ومثله قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (١) أي : إلا من يردها ، وبه قرأ الكسائي. قال الزجاج : هذا خطأ لأنّ من الموصولة لا يجوز حذفها. وقال ابن الأنباري : إنها في محل نصب على الحال ، والتقدير : إلا وأنهم ، فالمحذوف عنده الواو. قرأ الجمهور «إلا إنهم» بكسر إنّ لوجود اللام في خبرها كما تقرّر في علم النحو ، وهو مجمع عليه عندهم. قال النحاس : إلا أن عليّ بن سليمان الأخفش حكى لنا عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال : يجوز في إنّ هذه الفتح وإن كن بعدها اللام وأحسبه وهما. وقرأ الجمهور. «يمشون» بفتح الياء وسكون الميم ، وتخفيف الشين. وقرأ عليّ وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشدّدة ، وهي بمعنى القراءة الأولى ، قال الشاعر :
__________________
(١). مريم : ٧١.