ومشّى بأعطان المباءة وابتغى |
|
قلائص منها صعبة وركوب |
وقال كعب بن زهير :
منه تظلّ سباع الجوّ ضامزة |
|
ولا تمشّى بواديه الأراجيل (١) |
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) هذا الخطاب عامّ للناس ، وقد جعل سبحانه بعض عبيدة فتنة لبعض فالصحيح فتنة للمريض والغنيّ فتنة للفقير وقيل : المراد بالبعض الأوّل : كفار الأمم ، وبالبعض الثاني : الرسل ، ومعنى الفتنة : الابتلاء والمحنة. والأوّل أولى ، فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به ؛ فالمريض يقول لم لم أجعل كالصحيح؟ وكذا كل صاحب آفة ، والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره ، والغنيّ مبتلى بالفقير يواسيه ، والفقير مبتلى بالغنيّ يحسده ، ونحو هذا مثله. وقيل : المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم ، ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال لا أسلم بعده. فيكون له عليّ السابقة والفضل ، فيقيم على كفره ، ذلك افتتان بعضهم لبعض ، واختار هذا الفراء والزجاج. ولا وجه لقصر الآية على هذا ، فإن هؤلاء إن كانوا سبب النزول ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثم قال سبحانه بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة (أَتَصْبِرُونَ) هذا الاستفهام للتقرير ، وفي الكلام حذف تقديره أم لا تصبرون ، أي : أتصبرون على ما ترون من هذه الحال الشديدة والابتلاء العظيم. قيل : موقع هذه الجملة الاستفهامية هاهنا موقع قوله : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) في قوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٢) ثم وعد الصابرين بقوله : (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي : بكل من يصير ومن لا يصبر ، فيجازي كلا منهما بما يستحقه. وقيل معنى أتصبرون : اصبروا مثل قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٣) أي : انتهوا (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) هذه المقالة من جملة شبههم التي قدحوا بها في النبوة ، والجملة معطوفة على (وَقالُوا ما لِهذَا) أي : وقال المشركون الذين لا يبالون بلقاء الله كما في قول الشاعر :
لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما |
|
على أيّ جنب كان في الله مصرعي |
أي لا أبالي ، وقيل : المعنى لا يخافون لقاء ربهم كقول الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عوامل |
أي : لم يخف ، وهي لغة تهامة. قال الفراء وضع الرجاء موضع الخوف ، وقيل : لا يأملون ، ومنه قول الشاعر :
أترجو أمة قتلت حسينا |
|
شفاعة جدّه يوم الحساب |
والحمل على المعنى الحقيقي أولى ، فالمعنى : لا يأملون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب ، ومعلوم
__________________
(١). الجوّ : البر الواسع. وضامزة : ساكتة ، وكل ساكت فهو ضامز. والأراجيل : جمع أرجال ، وأرجال جمع رجل.
يصف الشاعر أسدا ؛ بأن الأسود والرّجال تخافه.
(٢). هود : ٧.
(٣). المائدة : ٩١.