كقوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) [سورة الشورى : ٤٩] وليس ثم غير هذا.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ) لآيات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
أفرد الأول والآخر وجمع الوسطى لأن الأول تقدمتها آية أرضية والوسطى تقدمتها آية سماوية وهي أكثر من الآيات الأرضية (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [سورة غافر : ٥٧] أو يقال : إنما جمع الثانية إشارة إلى أنها نهي الأولى [...] ويحتمل أنه تعالى لو كانت الثانية نعمة سماوية وهي أشرف وأجل وأطهر من النعمة الأرضية جعل كل واحد منها على انفراد وآية لشهرته وظهوره أو لأن المذكورات أولا راجعة إما مجرد القوت أو الوصف الثالث وكلاهما شيء واحد بخلاف الثانية ، وقال في الأولى تفكرون لأنها أمور عادية إذ حصول الشراب [.....] أمر عادي وقد لا يكون عنه شيء وتسخير الليل والنهار والقمر أمر عقلي وليس بمادي ، والثالث : يقال لمن لقن الحجة والدليل بعد أن كان نفسه فهو أمر تذكيري فلذلك قال : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ).
قدم الليل إما لأنه عدم والعدم سابق على الوجود أو لأن [.....] لنا يؤرخون الليالي وأول الشهر ليلة وقدم الشمس وإن كانت مؤنثه لأن ضوء القمر مستمد منها. ابن عرفة : أفرد الآية أولا إذ هي امتنان بنعمة أرضية ثم جميعها لأن الثانية امتنان بنعم سماوية أجلّ وأشهر من الأرضية فكل واحد منها آية وكذلك قال في الثانية (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) لأنها تعلم بمجرد العقل من غير تفكر ولا تأمل وفي الآيات الأرضية لا تعلم إلا بقدر زائد على العقل والتفكر ، وقال ابن الخطيب : الفكر في إعمال الفكر بطلب الفائدة والمذكورات راجعة لباب القوت وكل الناس محتاج إليه فعند ذلك يتفكرون النعم فيشكرونه ، وأما الثانية فيراها أعلى رتبة إذ منافعها أخص واغمض فيستحق صاحبها الوصف بما هو أعلا وأغمض وهو العقل.
ابن عرفة : وقوله يذكرون إنما جاء به أخيرا لآن التفكير ناشئ عن التفكر ولهذا اختلفوا فذهب بعض الحكماء إلى أن العلوم كلها تذكر به وأن النفوس كانت عالمة بكل علم فلما خالطت الأبدان ذهب عنها ذلك بكل ما تعلمه إنما هو تذكر كل ما كان وذهب ، ومذهب الجمهور أن أكثرها تفكر وبعضها تذكر فالتفكر لما لم يعلمه والتذكر لما علمه وتثنيته فلذلك جعله ثالثا.
قوله تعالى : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ).